. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْبَيْعِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِيدَ أَيْ وَمَا أَشْبَهَهَا لِأَنَّ هَذِهِ مَدَائِنُ وَكُوَرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ كُوَرٌ وَحَوَاضِرُ لِأَهْلِهَا مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَسْعَارِ وَالْأَسْوَاقِ، وَلَيْسَ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ إلَّا الْإِضْرَارُ بِهِمْ دُونَ مَنْفَعَةٍ تُجْتَلَبُ بِذَلِكَ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَبِيعُ مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ، وَلَا مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدَائِنِ يَبِيعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُون خَفِيفًا.
فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اغْتِرَابَهُمْ، وَبُعْدَ أَوْطَانِهِمْ يَقْتَضِي جَهْلَهُمْ بِالْأَسْعَارِ فَمَنَعَ مَنْ يَعْرِفُهَا مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ لِيَرْخُصَ بِذَلِكَ مَا جَلَبُوهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُرْمَتَهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ، وَبِأَيْسَرِ مَقَامٍ فِي الْبَلَدِ يَعْرِفُونَ الْأَسْعَارَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُخْفِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَا فَائِدَةَ لِكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ.
أَمَّا مَا يَمْنَعُ مِنْهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَدْوِيِّ لَا يَبِيعُ لَهُ الْحَضَرِيُّ، وَلَا يَشْتَرِي عَلَيْهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ فِي أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ يُشْبِهُونَ الْبَادِيَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا قَدِمَ الْبَدْوِيُّ فَأَكْرَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ الْحَضَرِيُّ بِالسِّعْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الْبَدْوِيُّ إلَى الْحَضَرِيِّ بِمَتَاعٍ يَبِيعُهُ لَهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَأَمَّا الشِّرَاءُ لِلْبَدْوِيِّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبِيعُ لَهُ، وَلَا يَشْتَرِي وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِرْخَاصَ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ، وَلِذَلِكَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي طَلَبًا لِرُخْصِ مَا يَبِيعُ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ يَسْتَرْخِصُ لَهُ مَا يَشْتَرِيهِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَبِيعُهُ الْبَدْوِيُّ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِالْغَلَّةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُخْصِهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ، وَمَا يَشْتَرِيهِ حُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُ الْحَضَرِيِّ فَلِذَلِكَ خَالَفَ بَيْعَهُ شِرَاؤُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ تَخُصُّهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْحَضَرِيُّ لِلْبَدْوِيِّ كَالْبَيْعِ.
َ قَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ حَضَرَ الْبَدْوِيُّ أَوْ بَعَثَ سِلْعَتَهُ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ، وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ.
وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي بَيْعِ الْمِصْرِيِّ لِلْمَدَنِيِّ وَبَيْعِ الْمَدَنِيِّ لِلْمَصْرِيِّ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَسْخَهُ إذَا بَاعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ سَالِمٌ مِنْ الْفَسَادِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمَعْنَى الِاسْتِرْخَاصِ، وَلِذَلِكَ لَا يَعُودُ بِالْفَسْخِ لِأَنَّ الْبَدْوِيَّ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ فَلَا يَرْخُصُ بِفَسْخِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُؤَدَّبُ، وَرَوَى زُونَانُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُزْجَرُ وَلَا يُؤَدَّبُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَكْرُوهِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ مَضَرَّةٌ عَامَّةٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِيهَا فَكَانَ حُكْمُهُ الْأَدَبَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الزَّجْرَ فِي ذَلِكَ كَافٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ التَّسْعِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ» التَّصْرِيَةُ حَبْسُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَبْسِ الْمَاءِ يُقَالُ صَرَيْته وَصَرَّيْتُهُ وَالْمُصَرَّاةُ هِيَ الْمُحَفَّلَةُ لِأَنَّ اللَّبَنَ حَفَلَ فِي ضَرْعِهَا، وَالْحَافِلُ الْعَظِيمَةُ الضَّرْعِ.
(فَصْلٌ)
فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، يُرِيدُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ وَنَقْصُ اللَّبَنِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ الْبَيْعِ نَقْصٌ فَلِلْبَائِعِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ أَوْ الرَّدُّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِتَدْلِيسٍ، وَنَقْصُ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ، وَهُوَ يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ «فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ» يُرِيدُ بَعْدَ التَّصْرِيَةِ «فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ»