قَالَ: تنجو بها وهو الأصح [1]- فأنف جذيمة من ذلك، وسارت به الجيوش، فلما رأى قصير أن جذيمة قد استسلم للأسر وأيقن بالقتل جمع نفسه، فصار عَلَى ظهر العصا وأعطاها عنانها وزجرها، فذهبت به تهوي هوي الريح [2] ، فنظر إليه جذيمة وهي تتطاول به.
وأشرفت الزباء من قصرها، فقالت: ما أحسنك من عروس/ تجلي علي وتزف إلي. حَتَّى دخلوا [به] [3] عَلَى الزباء ولم يكن معها فِي قصرها إلا جوار أبكار أتراب، وكانت جالسة عَلَى سريرها وحولها ألف وصيفة، كل واحدة لا تشبه صاحبتها فِي خلق ولا زي، وهي بينهن كأنها قمر قد حفت به النجوم تزهر، وأمرت بالأنطاع [4] فبسطت، وَقَالَت لوصيفاتها: خذوا بيد سيدكن وبعل مولاتكن. فأخذن بيده، فأجلسنه عَلَى الأنطاع بحيث تراه ويراها، [وتسمع كلامه ويسمع كلامها] [5] ، ثم أمرت الجواري فقطعن دواهيه، ووضعت الطشت تحت يده، فجعلت دماؤه تشخب فِي الطشت، فقطرت قطرة فِي النطع، فقالت لجواريها: لا تضيعوا دم الملك، فَقَالَ جذيمة: لا يحزنك دم أراقه أهله.
فلما مات قالت: والله ما وفى دمك ولا شفى قتلك، ولكنه غيض [6] من فيض. ثم أمرت به فدفن.
وكان جذيمة قد استخلف عَلَى مملكته ابن أخته: عمرو بْن عدي، وكان يخرج كل يوم إِلَى ظهر الحيرة يطلب الخبر، ويقتفي الأثر من خاله، فخرج ذات يوم ينظر إِلَى فارس [قد أقبل] [7] تهوي بِهِ فرسه هوي الريح، فَقَالَ: أما الفرس ففرس جذيمة، وأما الراكب فكالبهيمة لأمر ما جاءت العصا، فأشرف عليهم قصير، فقالوا: ما وراءك؟ قَالَ:
سعى القدر بالملك إِلَى حتفه رغم أنفي [8] وأنفه فاطلب بثأرك من الزّباء، فقال عمرو: