صبي وردته وقد شب وكبر، فقالت أمه: ألبسوه الطوق، فَقَالَ خاله جذيمة: «شب عمرو عَنِ الطوق» . فذهبت مثلا.
وسار إِلَى الزباء، فلما صار معه نزل فتصيد وأكل وشرب، واستغنى بالمشورة [1] والرأي من أصحابه، فسكت القوم وافتتح الكلام قصير بْن سعد، فَقَالَ: أيها الملك، كل عزم لا يؤيد بحزم فإلى آخر ما يكون كون فلا يثق به خرف قول لا محصول له، ولا يعقد [2] الرأي بالهوى فيفسد، ولا الحزم بالمنى فينفذ، والرأي عندي للملك أن يعقب [3] أمره بالتثبت، ويأخذ حذره بالتيقظ، ولولا أن الأمور تجري بالمقدور لعزمت عَلَى الملك عزما بتا أن لا يفعل.
فأقبل جذيمة عَلَى الجماعة فَقَالَ: ما عندكم أنتم فِي هَذَا الأمر؟ فتكلموا بحسب ما عرفوا من رغبة الملك فِي ذلك وصوبوا رأيه، وقووا عزمه، فَقَالَ جذيمة: الرأي مع الجماعة، والصواب ما رأيتم، فَقَالَ قصير: «أرى القدر سابق بالحذر [4] فلا يطاع لقصير أمر» . فأرسلها مثلا.
وسار جذيمة فلما قرب من ديار الزباء نزل فأرسل إليها يعلمها بمجيئه، فرحبت به، وأظهرت السرور [5] والرغبة به، وأمرت أن تحمل إليه الأموال [6] والعلو، فأتت وَقَالَت لجندها، وخاصة أهل مملكتها وعامة أهل دولتها: تلقوا سيدكم وملك دولتكم.
وعاد الرسول إليه بالجواب بما رأى وسمع، فلما أراد جذيمة أن يسير، دعا قصيرا، فَقَالَ: أنت عَلَى رأيك؟ قَالَ: نعم وقد زادت [بصيرتي فيه، أفأنت عَلَى عزمك؟
قَالَ: نعم وقد زادت] [7] رغبتي فِيهِ. فَقَالَ قصير: ليس للأمور بصاحب من لم ينظر فِي العواقب، وقد يستدرك الأمر قبل فوته، وَفِي يد الملك بقية هو بها متسلط على استدراك