عذراء بتول، لا ترغب فِي مال ولا جمال ولها عندك ثأر، والدم لا ينام، وإنما تاركتك وهنة وحذارا من بطشك، والحقد دفين فِي سويداء القلب، له كمون ككمون النّار في الحجر، إن أقدحته أورى، وإن تركته توارى، وللملك فِي بنات الأكفاء متسع، ولهن فيه مقنع، وقد رفع الله قدرك عَنِ الطمع فِي من دونك وعظم شأنك، فما أحد فوقك.
فَقَالَ جذيمة: يا قصير، الرأي ما رأيته، والحزم فيما قلته، و [لكن] [1] النفس تواقة، وإلى ما تحب وتهوى مشتاقة، ولكل امرئ قدر لا مفر منه ولا وزر.
فوجه إليها خاطبا، وَقَالَ: ائت الزباء فاذكر لها ما يرغبها فيه وتصبو إليه. فجاءها خطيبه، فلما سمعت كلامه وعرفت مراده، قالت له: أنعم بك عينا وبما جئت به وله [2] .
وأظهرت لَهُ السرور به، والرغبة فيه، وأكرمت مقدمه ورفعت موضعه، وَقَالَت: [قد كنت] [3] أضربت عَنْ هَذَا الأمر خوفا أن لا أجد كفؤا، والملك فوق قدري، وأنا دون قدره، وقد أجبت إِلَى ما سأل، ورغبت فيما قَالَ، ولولا أن السعي فِي مثل هَذَا الأمر بالرجال أجمل لسرت إليه، ونزلت عَلَيْهِ [4] . وأهدت له هدية سنية، فساقت العبيد، والإماء، والكراع، والسلاح، والأموال، والإبل، والغنم، وحملت من الثياب والعين والورق.
فلما رجع إليه [5] خطيبه أعجبه ما سمع من الجواب، وأبهجه ما رأى من اللطف، فظن أن ذلك بحصول رغبة، فأعجبته نفسه، وسار من فوره فِي من يثق به من خاصته وأهل مملكته، وفيهم قصير خازنه.
واستخلف عَلَى ملكه [6] ابن أخته عمرو بْن عدي اللخمي/، وهو أول ملوك الحيرة [من لخم] [7] ، وكان ملكه عشرين ومائة سنة، وهو الذي اختطفته الجن وهو