حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن عبيد بْن ناصح، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن مُحَمَّد الكلبي، عَنْ أبيه [1] ، قَالَ:

كان جذيمة بْن مالك ملكا عَلَى الحيرة وعلى ما حولها من السواد- ملك ستين سنة- وكان به وضح، وكان شديد السلطان، قد خافته العرب، وتهيبه العدو، فتهيبت العرب أن يقولوا الأبرص، فقالوا: الأبرش. فغزا مليح بْن البراء، وكان ملكا عَلَى الحضر [2] ، وهو الحاجز بين الروم والفرس.

وهو الذي ذكره عدي بْن زيد فِي قوله:

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور

[3] فقتله جذيمة، وطرد الزباء إِلَى الشام، فلحقت بالروم، وكانت عربية اللسان، حسنة البيان، شديدة السلطان، كبيرة الهمة.

قَالَ ابن الكلبي: ولم تكن فِي نساء عصرها أجمل منها، وكان اسمها: فارعه، وكان لها شعر إذا مشت سحبته وراءها، وإذا نشرته جللها، فسميت الزباء.

قَالَ ابن الكلبي: فبعث عِيسَى ابن مريم بعد قتل أبيها، فبلغت بها همتها أن جمعت الرجال، وبذلت الأموال، وعادت إِلَى ديار أبيها ومملكته، فأزالت جذيمة الأبرش [4] عنها، وابتنت عَلَى عراقي الفرات مدينتين متقابلتين من شرقي الفرات وغربيه، وجعلت بينهما نفقا تحت الفرات، فكان إذا رهقها عدو أوت إليه وتحصنت به، وكانت قد اعتزلت الرجال، فهي عذراء بتول، وكان بينها وبين جذيمة مهادنة، فحدث جذيمة/ نفسه بخطبتها، فجمع خاصته فشاورهم فِي ذَلِكَ، وكان له ابن عم يقال له:

قصير بْن سعد، وكان عاقلا لبيبا، وكان خازنه وصاحب أمره وعميد دولته، فسكت القوم وتكلم قصير فَقَالَ: أبيت اللعن أيها الملك، إن الزباء امرأة قد حرمت الرجال، فهي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015