فوجه محمد جماعة ليناظروا في منعه ما قد سأل، وإنما وجهوا ليعلم أنهم قد عاينوا وسمعوا، ثم يلتمس منهم أن يبدلوا أو يحرفوا [1] ، فيكون عليهم حجة وذريعة/ لما التمس.
فلما صاروا إلى حد الري [2] وجدوا تدبيرا مؤيدا، وعقدا مستحكما [3] ، وأخذتهم الأحراس من جوانبهم. وكتب بخبرهم من مكانهم، فجاء الإذن في حملهم فحملوا محروسين لا خبر يصل إليهم، ولا خبر يخرج منهم، وقد كانوا على نية بذل الأموال والولايات للمفارقين، فوجدوا ذَلِكَ ممنوعا، فوصلوا ومعهم كتاب الأمين وفيه [4] :
أما بعد، فإن الرشيد وإن كان أفردك بالطرف، وضم إليك من الكور ما ضم، تأييدا لأمرك، فإن ذلك لا يوجب لك فضلة المال عن كفايتك، والحق في الفضول أن تكون مردودة في أهلها، فكتبت تلط [5] دون ذلك بما إن تم أمرك عليه صيرنا الحق إلى مطالبتك.
فكتب المأمون: بلغني كتاب أمير المؤمنين، ولم يكتب فيما جهل فأسأل [6] عن وجهه، ولم يسأل ما يوجبه حق فتلزمني الحجة بترك إجابته، فلا تبعثني يا ابن أبي على مخالفتك، وأنا مذعن بطاعتك.
فلما وصل الكتاب تغيظ الأمين، وكتب:
أما بعد، فقد بلغني كتابك غامطا لنعمة الله عليك، متعرضا لحراق نار لا قبل لك بها، فأعلمني رأيك.
فقال المأمون لذي الرئاستين: إن ولدي وأهلي ومالي الذي أفرده الرشيد لي بحضرة محمد- وهو مائة ألف ألف- وأنا إليها محتاج، فما ترى؟