[1] .
كان بالرقة، وكان جبرئيل بن بختيشوع يدخل عليه كل يوم، فإن أنكر شيئا وصفه لَهُ، فذكر له ما يصلح، فدخل عليه يوما، فرآه مهتما، فسأله عن حاله، فَقَالَ: لرؤيا رأيتها أفزعتني. فقال: لعلها من بخارات رديئة، أو من تهاويل السوداء: فَقَالَ: رأيت كأني جالس على سريري هذا، إذ مدت إلي من تحتي ذراع أعرفها، وكف أعرفها، وفي الكف تربة حمراء، فقال لي قائل اسمعه ولا أرى صفته: هذه التربة التي تدفن فيها.
فقلت: أين هذه التربة؟ فَقَالَ: بطوس. وغابت اليد وانتبهت. فقال له الطبيب: أحسبك أخذت مضجعك ففكرت في خراسان وحروبها. فقال: قد كان ذلك. ومرت الأيام، ونسي، واتفق خروجه إلى خراسان حين تحرك رافع الخارجي، فلما كان ببعض الطريق ابتدأت به العلة، وما زالت تزيد حتى دخل إلى طوس، فمرض في بستان هناك، فبينا هو في البستان وذكر تلك الرؤيا، فوثب متحاملا يقوم ويسقط، فاجتمعوا إليه، كلّ يقول: يا سيدي، ما جاء لك!؟ فَقَالَ: يا جبريل، تذكر رؤياي بالرقة، في طوس. ثم رفع رأسه إلى مسرور فَقَالَ: جئني من تربة هذا البستان/ فمضى وأتى بالتربة في كفه حاسرا عن ذراعه، فلما نظر إِلَيْهِ قَالَ: والله هذه الذراع التي رأيتها في منامي، وهذا والله الكف بعينه، وهذه والله التربة الحمراء ما خرمت شيئا. وأقبل على البكاء والنحيب بعد هذا الكلام ثلاثة أيام [2] .
وفي رواية أخرى: أنه رأى في المنام أن امرأة وقفت عليه، وأخذت كف تراب وقالت: هذه تربتك عن قليل. فأصبح فزعا، فقص رؤياه، فقال له أصحابه: وما في هذا؟ قد يرى النائم أغلظ من هذا. فبينا هو يوما يسير إذ نظر إلى امْرَأَة فَقَالَ: هذه والله المرأة التي رأيتها في منامي، ولقد رأيتها بين ألف امرأة ما خفيت عليّ، ثم أمرها أن تأخذ كفا من تراب فتناوله، فضربت بيدها الأرض، وناولته، فَقَالَ: هذه والله التربة التي رأيتها، وهذه المرأة بعينها. وكان إذ مات [3] هناك.