إلى
الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبدل علقما [1]
فردي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه هائم القلب مغرما
قَالَ: فاستفزني ما لا قوام لي به، ورجوت أن ترده فلم تفعل، وأخذت القربة ونهضت، فنزلت أعدو خلفها، وقلت: يا جارية. فوقفت، فقلت لها: بأبي أنت وأمي، ردي الصوت. قالت: ما أشغلني عنك. قُلْتُ: بماذا؟ قالت: علي خراج كل يوم درهمين. فأعطيتها درهمين، فوضعت القربة وجلست تغنيه حتى أخذته وانصرفت، فلهوت/ يومي به، وبت فأصبحت وما أذكر منه حرفا واحدا، وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلا أنها تغنت غير ذاك الصوت، فنهضت وعدوت في أثرها وقلت: الصوت قد ذهب عني نغمته. فأبت أن تعيده إلا بدرهمين، فأعطيتها، فأعادته فذكرته، فقلت: حسبك. فقالت: كأنك تكاثر فيه بأربعة دراهم، كأني والله بك وقد أصبت فيه أربعة آلاف دينار.
قال ابن جامع: فبينا أنا أغني الرشيد وبين يديه أكيسة أربعة، وفي كل واحد ألف دينار، قَالَ: من أطربني فله كيس، وعن لي والله الصوت. فغنيته، فرمى إلي بكيس، ثم قال لي: أعد. فأعدت، فرمى إلي بكيس آخر، ثم قال لي: أعد. فأعدت، فرمى إلي بكيس، فتبسمت فقال لي: مم تضحك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، لهذا الصوت حديث عجيب. فحدثته الحديث، فضحك ورمى إلي بالكيس الرابع، وقَالَ: لا تكذب السوداء. ورجعت بأربعة آلاف دينار.
وقد روى نحو هذه الحكاية أبو الفرج علي بن عيسى الأصفهاني [2] : أن ابن جامع قال: انتقلت من مكة إلى المدينة لشدة لحقتني، فأصبحت يوما وما أملك إلا ثلاثة دراهم، فهي في كمي، إذا بجارية في يدها جرة تريد الركي [3] ، تسعى بين يدي، وترنم بصوت شجي:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا