وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سراعا ولا يغشى لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قَالَ: فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف فقلت: يا جارية، ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك، فلو شئت أعدت. قالت: حبا وكرامة، ثم أسندت ظهرها إلى جدار، ثم انبعثت تغنيه، فما دار لي منه حرف، فقلت: لو تفضلت مرة أخرى. فغضبت وكلحت [1] وقالت: ما أعجب أحدكم يجيء إلى الجارية عليها الضريبة فيشغلها، فضربت يدي إلى الدراهم الثلاثة فدفعتها إليها، فأخذتها، وقالت: تريد أن تأخذ مني صوتا أحسبك تأخذ به ألف دينار وألف دينار وألف دينار. ثم غنت ففهمته ثم سافرت إلى بغداد، فآل الأمر إلى أن غنيت الرشيد بهذا الصوت، فرمى إلي ثلاثة أكياس، فتبسمت فأخبرته خبر الجارية.
أخبرني بعض أهل الأدب قَالَ: كان إسماعيل بن جامع قد تزوج بالحجاز جارية سوداء مولاة لقوم، يقال لها مريم، / فلما صار من الرشيد بالموضع الذي صار به اشتاق إلى السوداء، فَقَالَ يذكر الموضع الذي كان يألفها فيه ويجتمعان فيه:
هل ليلة بقفا الصحصاح عائدة ... من قبة ذات أشراح وأزرار
تسمو مجامرها بالمندلي كما ... تسمو بحباته أفراح أعصار
المسك يبدو إلينا من غلائلها ... والعنبر الورد تذكيه على النار
ومريم بين أتراب منعمة ... طورا وطورا تغنيني بأوتار
فقال الرشيد: ويلك! من مريمك هذه التي وصفتها صورة الحور العين؟ قال:
زوجتي. ثم وصفها كلاما أكثر مما وصفها شعرا، فأرسل الرشيد من الحجاز حتى حملت، فإذا هي سوداء طمطمانية، ذات مشافر، فقال لَهُ: ويلك! هذه مريم التي ملأت الدنيا بذكرها، عليك وعليها لعنة الله. فقال: يا سيدي، إن عمر بن أبي ربيعة يَقُولُ [2] :
فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين ما تود