وأقم بالشام فتكون بقرب أمير المؤمنين، فإن أحب لقاءك أتيته من قرب. فلما أتاه الكتاب غضب وَقَالَ: هو يوليني الشام ومصر، وخراسان لي! وعزم على المضي إِلَى خراسان مجمعا على ذلك، فكتب بذلك يقطين إِلَى أبي جعفر.
وخرج أَبُو جعفر من الأنبار إِلَى المدائن، وكتب إِلَى أبي مسلم فِي المصير إِلَيْهِ، فكتب أَبُو مسلم، وقد نزل الزاب وَهُوَ على الرواح إِلَى طريق حلوان: قَدْ كنا نروي عَنْ ملك آل ساسان أن أخوف مَا يكون من الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك، حريون بالسمع والطاعة، غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة، فإن أرضاك ذلك فأنا كأحسن عَبْد لك، وإن أبيت إلا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت مَا أبرمت من عهدك، ضنا بْنفسي.
فلما وصل الكتاب إِلَى المنصور كتب [إِلَى أبي مسلم: قد فهمت كتابك وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم] [1] الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم، وإنما راحتهم فِي انتشار نظام الجماعة، فلم سويت نفسك بهم، وأنت [في] [2] طاعتك ومنا صحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء [3] هَذَا الأمر على مَا أنت به! وقد حمل إليك أمير المؤمنين عيسى بْن موسى رسالة لتسكن إليها إن أصغيت إليها، وأسأل اللَّه أن يحول بين السلطان ونزغاته وبينك، فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك أوكد عنده وأقرب من طبه [4] من الباب الَّذِي فتحه عَلَيْك.
ثُمَّ إن أبا جعفر وجه إِلَى أبي مسلم جرير بْن يزيد بْن جرير بن عبد الله البجلي، 4/ أوكان واحد أَهْل زمانه/، فخدعه ورده.
قَالَ جرير: نزلت معه جسر النهروان فتغدينا، فَقَالَ: أين أمير المؤمنين؟ قلت:
بالمدائن. قَالَ: فِي أي المواضع؟ قلت: فِي صحراء. قَالَ: فما اسم الموضع؟ قلت:
رومية. فأطرق طويلا ثُمَّ قَالَ: سر ولا حول [5] ولا قوة إلا باللَّه.