قَالَ جرير: وقد كَانَ قيل لَهُ إنك تقتل أو تموت برومية. فظنها بلاد الروم. ثُمَّ قَالَ:

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [1] ذهبت والله نفسي بيدي. ثُمَّ جعل يخاطب نفسه ويقول:

يا أبا مُسْلِم، فتح لك من باب المكايد فِي عدوك وصديقك مَا لم يفتح لأحد حَتَّى إذا دان لك من بالمشرق والمغرب، خدعك عَنْ نفسك من كَانَ يهاب بالأمس من ينظر إليك إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [2] .

ثُمَّ تمثل:

فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت عند الناس عار [3]

فأقبل وتلقاه الناس وأنزله وأكرمه، وَكَانَ فيمن بعث إِلَيْهِ عيسى بن موسى، فحلف له بعتق كل مملوك لَهُ، وصدقة كل مَا يملك، وطلاق نسائه، وَقَالَ: لو خير المنصور بين موت أبيه وموتك لاختار موت أبيه، فإنه لا يجد منك خلفا.

فأقبل معه، فلما دخل أَبُو مسلم المدائن قَالَ لعيسى بْن موسى: تدري مَا مثلي ومثلك ومثل عمك؟ مثل ثلاثة نفر كانوا فِي سفر فأتوا على عظام نخرة، فَقَالَ أحدهم:

عندي طب إذا رأيت عظاما متفرقة ألفتها. فَقَالَ الثاني: وأنا إذا رأيت عظاما موصولة كسوتها لحما. فَقَالَ الثالث: وأنا إذا رأيت عظاما مكسوة لحما أجريت فِيهَا الروح.

ففعلوا ذلك، فإذا الَّذِي أحيوه أسد، فَقَالَ الأسد فِي نفسه: مَا أحياني هؤلاء إلا وهم على أن يميتوني أقدر. فوثب عليهم فأكلهم، والله ليقتلني وليقتلن عمك، وليخلعنك أو ليقتلنك.

وفي رواية: أن أبا مسلم كتب إِلَى أبي جعفر: أما بعد، فإني اتخذت رجلا إماما، فحرف القرآن عَنْ مواضعه طمعا فِي قليل قَدْ بغاه اللَّه عز وجل/ إلى خلقه، فكان كالذي 4/ ب ولي بغرور، فأمرني أن أجرد السيف، وأن أرفع الرحمة ولا أقيل العثرة، ففعلت توطئة لسلطانك حَتَّى عرفكم من كَانَ يجهلكم، ثُمَّ استنقذني اللَّه بالتوبة، فإن يعف عني فقديما عرف به ونسب إِلَيْهِ، وإن يعاقبْني فبما قدمت يداي، وما الله بظلام للعبيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015