وقال: لا أحب الرئيس يعرف موضع زيته، فكيف بملك يعرف تمراً كان في منزله بعينه حتى لا يشتبه عليه يغيره بعد نهبه، وليس ذلك الا لانه كان ممارساً له قد أكثر العناية به والطف النظر اليه حتى عرفه بعينه ولم يشتبه عليه بغيره؟ وليس هذا من عادات خدم الملوك في أنفسهم، فهذا كان حدهم في سعة ملكهم وثروتهم أيضاً.
هذا طرف من ذكر أحوالهم في أديانهم وأنسابهم ومبلغ163 عزهم وحد ملكهم وسعة ثروتهم. وأنما روي من الاحاديث عنهم نادرها وعجيبها مقروناً ببعد العهد وعظم أسم الملك في الانفس فهال السامع، وبهره وظن إن المعنى على قدر الاسم. وتصفح أحاديثهم وتأمل أخبارهم يدل على صحة ما ذكرناه. فمن أعظم ما روي ما كان من بطش عمرو بن هند ببني دارم وتحريقه أياهم وقتلهم على ما جاء من الخلف في ذلك لقتل سويد بن ربيعة الدارمي أخاه أسعد بن المنذر وفي ذلك يقول جرير مخاطباً الفرزدق:
اين الذين بسيف عمرٍو قتلوا ... ام أين أسعد فيكم المسترضع
وأذ تأمل متامل ما جرت الحال عليه في ذاك لم يجد فيه ما يدل على كبير قوة وعظيم بطش منه، فأن الذي روي في ذلك، إن المنذر بن ماء السماء - وهو المنذر الاكبر - بعث الى زرارة بن عدس الدارمي بابن له أسمه أسعد وقيل بل أسمه مالك. وكان عنده مسترضعاً في بني دارم وشب فيهم فخرج يوماً في جماعة منهم الى الصيد ورجع مخفقاً فمر بأيل لسويد بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم فعقر منها بكراً، وقال لمن معه كلوا فانكم إن أخفقتم من الصيد لم تخفقوا من اللحم. فانطلق راعي سويد فأخبره، فاخذ قوسأ وأسهماً