حمله الجوع وأضطره الجهد والضر حتى يقطع زمانه ويستفرغ وسعه ويعمل حيلته في صيد ضب أو ثعلب أو ذئب أو أمثالها ليأكله فيعيش به لا يقدر على قوت غيره ولا يجد معاشا سواه فانه في عيشة قذرة صعبة شاقة يرثى لصاحبها منها ويعير بها، ويستقذر لملابستها ومباشرتها، وقد أفتخروا بذلك وتبجحوا به ونظموا فيه أشعار رواها عنهم الرواة وتداولها الناس جعلوا بها دنيّ الأفعال وذميمها شريفا وقبيحها مستحسنا ومستقذرها مما يتطلع اليه الناس والنفوس وترتاح إلى سماعه القلوب.
روى أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل الأخفش عن ثعلب عن صخر بن بكر المازني لرجل من بني عقيل يصف صيده الضب قال وجدتها بخط أسحق بن أبراهيم الموصلي قال أملأها علي أعرابي فوهبت له أربعين درهما:
أراد رفيقي إن أصيده ضبة مكونة ... ومن خير الضباب مكونها
المكون: التي فيها بيض.
فلما تونيت العدو وأزمعت ... لتقبض نفس قد أجد قرينها
العدو: ها هنا الصيد وقرينها عزمها.
اذا مسلحب فوق ظهر نبيثة ... يجد بدعثار حديث دفينها