فقال له علي: حسبك، رحمك الله وأثنا عليه وعلى قومه خيراً وبلغ ذلك معاوية فقال: والله لأستميلن بالأموال أهل ثقة علي حتى تغلب دنياي أخرته.
فاما المارقون بالنهروان، فان الروايات أتفقت على أنهم ترجلوا وعقلوا أنفسهم بالعمائم، وكسروا جفون سيوفهم ونادوا: الرواح الرواح الى الجنة، فانقطع منهم خمسمائة، فقالوا: أنا نخاف إن تكون روحتكم الى النار، وأنهزموا عنهم وصبر الباقون فقتلوا جميعا الا نفر منهم قيل أنهم دون العشرة. وكم كان بصفين من الوقائع الهائلة التي هي أعظم مما ذكرناه كليلة الهرير وغيرها، مما لو أستقصينا ذكره وأردنا شرحه تجاوز ذلك حد مقصودنا في هذا الكتاب، وضاع فيه المعنى وتبدد الغرض، وأنما قصدنا أيراد ما يستشهد به على حسن صبر أهل الإسلام، وفضلهم على غيرهم، وتوطنهم أنفسهم على الموت الذي لا يشكون في حلوله بهم في تلك الساعة، لا يطمعون بفرار منهم ولا بعد عنهم.
وروي إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يحرضهم فيقول: عضوا على أضراسكم فانه أنبى للسيوف على هامكم، والتووا في أطراف الرماح فانه أمور للاسنة في ضلوعكم، وأقلوا الكلام فانه أطرد للفشل عنكم، ولا يهولن أحدكم مصرع أخيه الى جنبه، وعليكم بالأكثار من