واختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقيل: إنها نزلت في أبي أمية ضمرة بن جندب الخزاعي خرج من مكة مهاجراً، فمات بالشعب.
وقيل: نزلت في خالد بن حزام أخي حكيم بن حزام، خرج مهاجراً، فمات في الطريق.
وقال ابن عباس - رضوان الله عليه - في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يخبر أهل مكة بما ينزل من القرآن، فكتب إليهم بقوله - عز وجل -: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فم كنتم، قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة، فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً) قال حبيب بن ضمرة الليثي - لما قرأها، وكان شيخاً كبيراً -: احملوني، فإني لست من المستضعفين، وإني لأهتدي إلى الطريق، فحملوه على سرير، متوجهاً إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت، فصفق بيمينه على شماله، وقال: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك، أبايعك على ما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو كان وافى المدينة لكان أتم أجراً، فأنزل الله - عز وجل -: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله ... ) الآية.
وقال الله تبارك وتعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيراً) قال عطاء بن أبي رباح - رحمه الله -: حدثني من سمع أم سلمة - رضي الله عنها - تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها، فأتته فاطمة - عليها السلام - ببرمة فيها خزيرة، فدخلت عليه بها، فقال صلى الله عليه وسلم: ادعي لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء علي، والحسن، والحسين - رضوان الله عليهم - فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله - عز وجل -: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيراً) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضل الكساء، فغشاهم به، ثم أخذ بيديه فألو بهما إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، فأذهب عنهم الرجس أهل البيت، وطهرهم تطهيراً، قالت: فأدخلت رأسي البيت، وقلت: وأنا معكم يا رسول الله، فقال: إنك إلى خير، إنك إلى خير) .
وقال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا ... ) الآية.
قال أكثر المفسرين: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، رضي الله عنها، أولم عليها بتمر وسويق، وذبح شاة، قال أنس بن مالك - رحمه الله - وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه - رضي الله عنهم - إلى الطعام، فجعل القوم يجيئون، فيأكلون، ويخرجون، فقلت: يا رسول الله قد دعوت حتى لا أجد أحداً أدعوه، قال: ارفعوا طعامكن، فرفعوا، وخرج القوم، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت، فأطالوا المكث، وتأذى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحياء، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية.
وقوله - عز وجل، حكاية عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم -: (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) .
(ذريته: إسماعيل، وأمه هاجر.
(بواد غير ذي زرع) يعني مكة، أسكنها بأبطحها، ولم يكن بها ساكن، ثقة بالله تعالى، وتوكلاً عليه.
(عند بيتك المحرم) : أضاف البيت إليه سبحانه، لأنه لا يملكه غيره، والمحرم؛ لأنه يحرم فيه ما يحل في غيره من جماع واستبذال.
وقوله - عز وجل -: (والبيت المعمور) فيه أربعة أوجه: أحدها: ما رواه قتادة عن أنس بن مالك - رحمه الله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتي بي إلى السماء السابعة، فرفع لنا البيت المعمور، فإذا هو حيال الكعبة، لو خر خر عليهما، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، فإذا خرجوا منه لم يعودوا فيه".
والثاني: أن البيت المعمور هو بيت في ست سموات ودون السابعة يدعى الضراح، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس، لا يعودون إليه أبداً، وهو بحذاء البيت العتيق.