وبما قد كان فيها ساكن ... أهل أنعام وخيل وقباب
وقال أبو داوود الإيادي (واسمه جارية بن الحجاج) :
وقد عرفت الدار قفراً لم تحل ... بين أجياد خفاف فالرحل
ظعن الحي الألى كانوا بها ... وعفا رسم وأضحى كالخلل
هيج الشوق الذي كان صحا ... حبسك اليوم على ذاك الطلل
وقال جرير بن عطية:
أدار الجميع الصالحين بذي السدر ... أبيني لنا إن التحية عن عفر
لقد طرفت في الدار عيني دمنة ... تعاورها الأزمان بالريح والقطر
فقلت لأدنى صاحبي وإنني ... لأكتم وجداً في الجوانح كالجمر
بعمركما لا تعجلاني موقفاً ... على الدار فيه القتل أو راحة الدهر
وقال أيضاً:
ألا حي رهبي ثم حي المطالي ... فقد كان مأنوساً فأصبح خاليا
فلا عهد إلا أن تذكر أو ترى ... ثماماً حوالي نصب الخيم باليا
فيا ليت أن الحي لم يتفرقوا ... وأمسوا جميعاً جيرة متدانيا
فقد خفت ألا تجمع الدار بيننا ... ولا الدهر إلا أن نجد الأمانيا
وقال أبو حية النميري:
يا دار غيرها التقادم والبلى ... بين السليل ومأمي أكباد
لا زلت في خفض عليك تهافتت ... ديم عليك طويلة الإرعاد
وأنار واديك الربيع، فربما ... نغني به ونراه أبهج واد
وأرى به الأنس الذين تحبهم ... عيني، ويألف من تحب فؤادي
وقال حفص الأموي:
يا دار أقوت من بعد حاضرها ... لم يبق فيها سوى أواصرها
ألقت عليها الرياح أردية ... تنشرها من كسى أعاصرها
حييت من دمنة بما خلفت عين عطوف على جآذرها
يا ربما راقني بساحتها ... طيب هواها، ولهو سامرها
أيام لا خوف من شتات نوى ... تخشى، ولا روع من تطايرها
كنا بها حقبة فأزعجنا ... خطب نفى الخفض عن مجاورها
شتت بين الخليط فارتحلوا ... عنها وأبدى خراب عامرها
فالدار لو زرتها رأيت بها ... آياً تهيج الأسى لزائرها
تلك المغاني فإن مررت بها ... يوماً فسلم على دواثرها
وانظر إليها؛ ألم تصر دمناً ... تهفو السوافي على دعاثرها؟!
قال ابن المعتز:
وسكان دار لا تواصل بينهم ... على قرب بعض في التجاور من بعض
كأن خواتيماً من الطين فوقهم ... فليس لها حتى القيامة من فض
وقال أبو العتاهية:
ألا يا نفس ما أرجو بدار ... أرى من حلها قلق القرار؟
بدار إنما الشهوات فيها ... معلقة بأيام قصار
نرى الأموال أرباباً علينا ... وما هي بيننا إلا عواري
ونذكر أن ندب لها وننسى ... دبيب الليل فينا والنهار
وقال آخر: (هذه الأبيات من قصيدة تنسب إلى أكثم بن صيفي) :
أيسأل رسم الدار، والدار قلبه ... وأنى لها ما قد حواه من الوجد؟
ويسخط أفعال السحاب بتربها ... إذا معهد منها تغير من عهد؟
وما متعة الأحباب إلا تعلة ... تلم لتشتيت وتقرب عن بعد
روى أن قوماً تشاجروا بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في أشعر الناس، فقال عمر: سأرسل إلى سيد الناس فأسأله، فقال الناس: قد تشاجرنا في سيد الشعراء فنريد الآن أن ننظر إلى سيد الناس، فأرسل إلى عبد الله بن العباس - رضوان الله عليهما - فجاءه، فقال له: يا أبا العباس أنشدنا ما تستحسن من الشعر، فقال: سأنشدكم لسيد الشعراء، فأنشدهم لزهير بن أبي سلمى:
هل في تذكر أيام الصبى فند ... أم هل لما فات من أيامه ردد؟
أم هل يلامن باك هاج عبرته ... بالحجر إذ شفه الوجد الذي يجد؟
أوفى على شرف نشز فأزعجه ... قلب إلى آل سلمى تائق كمد
متى أرى دار حي عهدنا بهم ... حيث التقى الغور من نعمان والنجد؟
لهم هوى من هوانا ما يقربنا ... ماتت على قربه الأحشاء والكبد
إني لما استودعتني يوم ذي عذم ... راع إذا طال بالمستودع الأمد
إن تمس دارهم منا مباعدة ... فما الأحبة إلا هم وإن بعدوا
وقال جميل بن معمر:
على الدار التي لبست بلاها ... قفا يا صاحبي فسائلاها
وما يبكيك من عرصات دار ... تقادم عهدها وبدا بلاها؟!