ولو يستطيعون الرواح تروحوا ... معي ومضوا في المصبحين على ظهر
لعمري لقد وارت قبور ضمنهم ... أكفاً شداد القبض للأسل السمر
وآخر عهد منك يا شغب شمة ... بشرج وداعاً والمطي بنا تسري
فكان وداعاً، لا تلاقي بعده ... وبينا إلى يوم القيامة والحشر
وقال أيمن بن خريم الأسدي:
رمى المحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوههن البيض سودا
فإنك لو رأيت بكاء هند ... ورملة إذ تصكان الخدودا
بكيت بكاء معولة فقيد ... أصاب الدهر واحدها الفقيدا
وقال أعرابي:
ألا أيها الموت الذي ليس جانياً ... أرحني، فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيراً بالذين أحبهم ... كأنك تهدي نحوهم بدليل
وقال- أم الصريح الكندية:
هوت أمهم ماذا بهم يوم صرعوا ... بحسمان من أسباب مجد تهدما
أبوا أن يفروا، والقنا في نحورهم ... ولم يرتقوا من خشية الموت سلما
ولو أنهم فروا لكانوا أعزة ... ولكن رأوا صبراً على الموت أكرما
عن شبل بن بشير أنه خرج في سفر وخلف الطاعون في أهله، فلم يدع منهم أحداً إلا أمة سوداء، تحولت إلى بعض الجيران، فقدم شبل فجعل يدق الباب، فسمعته الأمة، فقالت: من هذا؟ فقال: أنا رب الدار، فقالت ما بقى في الدار أحد، فجاء الناس يعزونه على ما افترط من أهله، فقال:
أتى دون حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب
تتابعن في الأحباب حتى أبدنهم ... فلم يبق منهم في الديار عريب
إذا ذر قرن الشمس عللت بالمنى ... ويأوي إلي الحزن حين تغيب
ونام خلي البال عني ولم أنم ... كما لم ينم عاري الفناء عزيب
أضرت به الأيام حتى تركنه ... بطول الذي عفين وهو رقوب
وكيف بقاء المرء من بعد أهله ... وليس له في الغابرين حبيب؟!
وما ترك الطاعون من ذي هوادة ... إلينا إذا حان الإياب يئوب
وكنت أرجى أن أؤوب إليهم ... فغالهم من دون ذاك شعوب
مقادير لا يغفلن من حان يومه ... لهن على كل النفوس رقيب
سقين بكأس الموت من قد أمتنه ... وفي الحي من أنفاسهن ذنوب
أريد لأنسى ذكرهم فيهيجني ... فؤاد إلى أهل القبور طروب
فلسنا بأحيا منهم، غير أننا ... إلى أجل ندعى له فنجيب
وقال الرقيع بن عبيد الأسدي:
لحى الله دهراً شره دون خيره ... وجداً بصيفي نأى بعد معبد
بقية خلاني أتى الدهر دونهم ... فما جزعي أم كيف عنهم تجلدي؟!
فلو أنها إحدى يدي رزئتها! ... ولكن يدي بانت على إثرها يدي
كأني وصيفياً أخا الصدق لم نقل ... لموقد نار آخر الليل
: أوقد
فلست بباك بعده إثر هالك ... قدي الآن من وجدي على هالك قدي
وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -:
ما للهموم كأنها ... نار على كبدي تشب
أفراق إخوان الشبا ... ب غدت مطاياهم تخب؟
فارقتهم، فالعين عي ... ن بعدهم، والقلب قلب
ما كنت أحسب أنني ... جلد على الأرزاء صعب
أو أنني أبقى وظه ... ري بعد إخواني أجب
ما أخطأتك الحادثا ... ت إذا أصابت من تحب
وقال أبو رفاعة:
أصبحت من حلول قومي وحشاً ... رحب الجدر جلسها فالبطاح
ولقد ألفيت وفيها كهول ... وشباب بيض الوجوه صباح
ومهادير في الندى ولا ينف ... ك فيه منهم ندى وسماح
وقال البريق بن عياض الهذلي:
ألم تسل عن ليلى وقد ذهب العمر ... وقد أوحشت منها الموارج والحضر
[الموارج، والحضر] : مواضع
وقد هاجني منها بوعساء فروع ... فأجراع ذي اللهباء منزلة قفر
يظل بها داعي الهديل، كأنه ... على الساق نشوان تميل به الخمر
فإن تبك في رسم الديار، فإنها ... ديار بني زيد وهل عنهم صبر؟
وقال آخر:
ألا ليت شعري! هل يعودن ما مضى ... ليالي عيش الأصفياء رطيب؟
وهل عائد قبل الممات، فراجع ... إلى عهده دهر إلي حبيب؟!