وفي معنى الوفاء إقامة الكفيل المليء لأن الدَّين الذي له وفاء إنما لم يمنع من الجهاد لعدم ضياع حق الغريم بتقدير قتله في الجهاد وذلك حاصل في الكفيل المليء.

وأما كون من أحد أبويه مسلم لا يجاهد إذا لم يأذن له أبوه مع عدم تعيّن الجهاد عليه «فلأن رجلاً هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: هل لك باليمن أحد؟ قال: نعم. أبوان. قال: ارجع فاستأذنهما: فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما» (?) رواه أبو داود.

وروى عبدالله بن عمرو بن العاص قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أجاهد. فقال لك أبوان؟ فقال: نعم. قال: ففيهما فجاهد» (?).

وروى الترمذي عن ابن عباس مثله، وقال هذا حديث حسن صحيح.

ولأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية وفرض العين مقدم.

ولا فرق فيما ذُكر بين الأب والأم. ولذلك قال المصنف رحمه الله: ومَن أحد أبويه مسلم.

وفي قول المصنف رحمه الله: مسلم تنبيه على أنه لا يعتبر إذن الكافر منهما. وصرح به في المغني؛ لأن كثيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجاهدون وآباؤهم مشركون لا يستأذنونهم منهم: أبو بكر الصديق، وأبو عبيدة.

وأما كون من ذكر يجاهد بغير إذن من ذكر إذا تعين الجهاد عليه فلأنه يصير حينئذ فرض عين وتركه معصية. ولذلك قال المصنف: فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة.

ولأن الجهاد حينئذ عبادة متعينة فلم يعتبر إذن أحد فيها كالصلاة.

قال: (ولا يحل للمسلمين الفرارُ من ضعفهم إلا متحرّفين للقتال، أو متحيزين إلى فئة. وإن زاد الكفار فلهم الفرار إلا أن يَغلب على ظنّهم الظَّفَرُ).

أما كون المسلمين لا يحل لهم الفرار من الكفرة في الجملة فلأن الله تعالى قال: {إذا لقيتم الذين كفروا زَحْفاً فلا تُوَلّوهم الأدبار ... الآية} [الأنفال: 15].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015