ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عَدّ الفرار من الكبائر (?).

وأما ما يشترط لذلك فشرطان:

أحدهما: أن لا يزيد عدد الكفار على مثلي المسلمين، وهو المراد بضعفهم. فإن زاد فلهم الفرار؛ لقوله تعالى: {الآن خَفَّفَ الله عنكم وعلم أن فيكم ضَعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} [الأنفال: 66] لفظه خبر ومعناه أمر بدليل قوله: {الآن خفف الله عنكم}، ولئلا يخالف خبرَه عز وجل مَخْبَرُه؛ لأن الظفر في كل مرة لا يتفق للمسلمين.

وعن ابن عباس: «من فرّ من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر» (?).

الثاني: أن لا يريد بفراره التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة؛ لأن الله تعالى قال: {إلا متحرّفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئة} [الأنفال: 16]. ومعنى التحرف: أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن له؛ كمن في وجهه الشمس، أو الريح، أو هو في وَهْدَة (?) أو عطشان، أو في مكان منكشف فينحرف إلى ظل، أو موضع لا ريح فيه، أو مكان عال، أو موضع فيه ماء، أو هو مستترا، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب.

والتحيز إلى فئة هو: أن يصير إلى قومٍ من المسلمين ليكون مع الجماعة ويقوَى بهم على قتال العدو. سواء بعدت أو قربت؛ لأن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني فئة لكم» (?) وكان بالمدينة.

وقال عمر: «أنا فئة كل مسلم» (?). وكانت جيوشه بالشام والعراق وخراسان ومصر. رواهما أبو سعيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015