وهكذا يستمر الإسلام في إعلان الوحدة الإنسانية بين الناس كإخوة من أب وأم، والوحدة الاجتماعية في المجتمع كشجرة تهتز أغصانها جميعا إذا لمستها الرياح لا فرق بين أعلاها وأدناها. ومن المفيد هنا أن نلاحظ كثرة خطاب القرآن للناس، بهذه الألفاظ التي تشعرهم بوحدة أصلهم الإنساني {يَا أَيُّهَا النَّاس} ، {يَا بَنِي آدَم} كما خاطب أبناء الدين الواحد بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُون} ، دون أن يميز بالخطاب أمه على أمة أو فريقا على فريق.

وأما النزعة الإنسانية الحضارية في التشريع الإسلامي، فإنك لتلمس ذلك واضحا في كل باب من أبواب التشريع، في الصلاة يقف الناس جميعا بين يدي الله لا يخصص مكان لملك أو عظيم أو عالم، وفي الصوم يجوع الناس جوعا واحدا لا يفرد من بينهم أمير أو غني أو شريف، وفي الحج يلبس الناس لباسا واحدا، ويقفون موقفا واحدا، ويؤدون منسكا واحدا، لا تمييز بين قاصٍ ودانٍ، وقوي وضعيف، وأشراف وعامة، فإذا انتقلت من ذلك إلى أحكام القانون المدني وجدت الحق هو الشرعة السائدة في العلاقة بين الناس، والعدل هو الغرض المقصود من التشريع، ودفع الظلم هو اللواء الذي يحمله القانون ليفيء إليه كل مضطهد ومظلوم، فإذا انتقلت من ذلك إلى القانون الجزائي وجدت العقوبة واحدة لكل من يرتكبها من الناس، فمن قتل قتل، ومن سرق عوقب ومن اعتدى أدب، ولا فرق بين أن يكون القاتل عالما أو جاهلا، والمقتول أميرا أو فلاحا، ولا فرق بين أن يكون المعتدي أمير المؤمنين أو رجل من عامتهم، والمعتدى عليه أعجميا أو عربيا، شرقيا أو غربيا، فالكل سواء في الإسلام {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} 1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015