وفقيهها، وكان عطاء أسود، أعور، أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي، وقد جعلته الحضارة الإسلامية إماما يرجع إليه الناس في الفتوى، ومدرسة يتخرج على يده الألوف من البيض، وهو عندهم محل الإكبار والحب والتقدير1.

ولقد كان في حضارتنا المبدعون في كل ميادين العلم والأدب، وهم سود البشرة لم يمنعهم سوادهم أن يكونوا أدباء ينادمون الخلفاء كنصيب الشاعر ت 108هـ، ولا فقهاء يؤلفون المراجع المعتبرة في الفقه الإسلامي كعثمان بن علي الزيلعي ت 743هـ، شارح الكنز في الفقه الحنفي، والحافظ جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي ت 762هـ، مؤلف نصب الراية، وكلاهما أسودان من زيلع من بلاد الحبشة.

وقصارى القول: إن حضارتنا لم تعرف هذا التمييز العنصري بين البيض والسود، ولم يكن فيها مجتمعات خاصة للسود لا يساكنهم فيها أبيض، ولا اضطهاد خاص بهم يجعلهم محل نقمة البيض وازدرائهم، وإنما كانت حضارتنا إنسانية تنظر إلى الناس جميعا بمنظار الحق والخير، ولا ترى البياض والسواد إلا بياض الأعمال وسوادها {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} 2.

والنزعة الإنسانية تظهر حين يعلن الإسلام أن الناس جميعا خلقوا من نفس واحدة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} 3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015