لما جاء المسملون لفتح مصر وتوغلوا فيها حتى وقفوا أمام حصن بابليون، رغب المقوقس في المفاوضة مع المسلمين فأرسل إليهم وفدا ليعلم ما يريدون، ثم طلب منهم أن يرسلوا إليه وفدا، فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت ت 32هـ، رضي الله عنه، وكان طوله عشرة أشبار، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم، وكان عبادة أسود، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس ودخلوا عليه، تقدم عبادة، فهابه المقوقس لسوادة وقال: نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني، فقالوا جميعا: إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما، وهوسيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره، وأمرنا ألا نخالف رأيه وقوله، فقال لهم: وكيف رضيتم أن يكون هذاالأسود أفضلكم، وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟! قالوا: كلا، إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا وأفضلنا سابقة وعقلا ورأيا، وليس ينكر السواد فينا، فقال المقوقس لعبادة: تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي ازددت لك هيبة، فتقدم إليه عبادة فقال: قد سمعت مقالتك، وإن فيمن خلفي من أصحابي ألف رجل كلهم مثلي وأشد سوادا مني وأفظع منظرا1.

لقد كان كثير من الناس -حتى المتحضرين في القرن العشرين- يرون السواد منقصة، وكانوا لا يرون الأسود أهلا لأن يكون في عداد البيض، فكيف يتقدمهم ويقودهم ويفضلهم في الرأي والعلم؟! فجاءت حضارتنا تحطم هذه المقاييس، وتسفه هذه الآراء، وتقدم الأسود على الأبيض حين يقدمه علمه ورأيه وشجاعته.

وكان عبد الملك بن مروان ت 86هـ، يأمر المنادي أن ينادي في موسم الحج ألا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح ت 114هـ، إمام أهل مكة وعالمها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015