ما هو أسمى من هذا، فقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالا الحبشي ت20هـ، رضي الله عنه، يوم فتح مكة أن يصعد فوق الكعبة ليؤذن من فوقها ويعلن كلمة الحق، والكعبة هي الحرم المقدس عند العرب في الجاهلية، وهي القبلة المعظمة في الإسلام، فكيف يصعد عليها عبد ملون كبلال؟ وكيف يطؤها بقدميه؟ إن مثل هذا أو قريبا منه لا يتصور في الحضارة الحديثة، ولكن حضارتنا فعلته قبل أربعة عشر قرنا، فما كان صعود بلال على سطح الكعبة إلا إعلانا لكرامة الإنسان على كل شيء، وأن الإنسان يستحق هذه الكرامة لعلمه وعقله وأخلاقه وإيمانه لا لبشرته وبياضه، فلا يقدم الإنسان بياضه إذا أخره عمله، ولا يؤخره سواده إذا قدمه ذكاؤه واجتهاده.

ولذلك لم يرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر ت 32هـ، رضي الله عنه، وهو من أكرم صحابته أن يسب آخر فيقول له: يابن السوداء، لم يرض منه ذلك بل قرعه، وقال له: "أعيرته بسواد أمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية" 1، وهذا حد فاصل بين العلم والجهل، وبين الحضارة الإنسانية والحضارة الجاهلية.

إن الحضارة التي لا يستعلي فيها عرق على عرق، ولا لون على لون هي الحضارة الإسلامية، التي يسعد بها الإنسان بل وتسعد بها الإنسانية كلها، أما الحضارة التي يعلو فيها الأبيض ويمتهن الأسود، ويسعد بها ذوو البشرة البيضاء ويشقى بها الملونون فهي الحضارة الجاهلية التي ترتد بها الإنسانية إلى الوراء مئات القرون، عمياء متكبرة جاهلية حمقاء، "إنك امرؤ فيك جاهلية"، هذا وصف للحضارة الجاهلية التي تنادي بالتمييز العنصري، وهو ما كافحته حضارتنا في كل ميادين الحياة، في المسجد والمدرسة والمحكمة والقيادة، مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015