ولكن أدام الله عزّ أميرنا ... وتمّت له البشرى ودام له النجح
لما زال ميمون النقيبة ماجدا ... أخا عزمات لا يطيش بها الجمح
وما زال في الهيجاء أوّل فارس ... به يضحك السيف المهنّد والرّمح
فلمّا قرأها ندم على ما كان من خطابه وما زال في الحبس إلى أن مات في سنة سبعين- وقيل إحدى وسبعين- ومائتين.
ويقال إنّه كان راكبا ذات يوم في موكبه وإذا بامرأة قد وقفت له وقالت: أيّها السيّد نحن مائة عيّل (?) على فلان العامل وهو في حبسك فأطلقه واتّق دعوة تعرج فيك إلى الله عزّ وجلّ! فتضاحك ثمّ قال لها: عليك يا هذه بالسحر فاسألي وأنت ناشرة شعرك كاشفة وجهك رافعة يديك وأولادك حولك! فانصرفت المرأة، ونقل هذا عن ابن المدبّر إلى أحمد بن طولون فلم يكن غير قليل حتى قبض عليه وعذّبه وألبسه جبّة صوف قد بقّعت في دهن الأكارع (?) وختمت على عنقه، وأوقف في الشمس. وطالبه أحمد بن طولون بردّ الأرزاق كلّها أو بورود كتاب الخليفة بإطلاقها. فجاء الناس من كلّ موضع للنظر إليه وجاءت إليه المرأة التي كانت وقفت إليه وقال لها ما قال فقالت له: يا أبا الحسن وجدنا الدواء كما وصفت! فبكى وأبكى من حضر كلّهم.
ولمّا ولي خراج الشام عقد مجلسا، وأحضر فيه هشام بن عمّار ودحيما ومحمود بن خالد وعبد الله بن ذكوان والقاضي أبا زرعة عبد الرحمن بن عمرو، وقال لهم: إنّكم لا تتّهمون على الفيء وإنّما يتّهم عليه أهل البدع،
لأنكم تعلمون أنّه ينفق في بيضة الإسلام وفي حجّ البيت ومجاهدة العدوّ وأمن السبيل. وتكلّم يومئذ في ذلك فأبلغ، وقال: أخبروني عن مدائن الساحل هل ترون في مستغلّها حقّا للفيء؟ .
فقالوا: لا حقّ للفيء [3 ب] في مستغلّها، وأعلموه أنّ دمشق فتحت صلحا وأنّ صلح حصونها بصلحها من أجل أنّها الأمّ وأنّ ساحلها تبع لها. قال أبو زرعة: وأعلمته يومئذ أنّ بعلبك صلح وأنّ الوليد بن مسلم قد أثبت صلحها عن إسماعيل بن عيّاش، فقال ابن المدبّر للمشيخة:
هكذا تقولون؟
قالوا: نعم. فقبل ذلك منهم.
قال أبو زرعة (?): وسألني ابن مدبّر عن بيع الكلإ فأعلمته أنّ الأوزاعي يقول: إنّ النّاس فيه أسوة. فتظلّم (?) رجل من الرعيّة على رجل رعى كلأ له فلم يعده (?). وقال: فقيه أهل الشام لا يرى لك حقّا.
قال أبو زرعة: ورأيت أحمد بن محمد بن مدبّر شديدا في الأرض مذهبه فيها مذهب السلف في إيقافها.
وكانت غلّة أبي الحسن أحمد بن محمد بن المدبّر في كلّ سنة مائة ألف دينار ينفق منها في مطابخه أربعة وعشرين ألف دينار والباقي في الفرش والآلات والطيب والآنية والكسوة. وقال له القاضي أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بعد عوده من مصر إلى دمشق: سبحان من أتى بك بعد [ ... ] على فاقة إليك وحاجة وخلّة [ ... ] قلت