ويخوّف عاقبته وأنّه اختزل مالا. فلم يحتمل هذا ابن [2 ب] طولون فكتب إلى سعيد الفرغانيّ وهو بالشام أن يشخص إليه ابن المدبّر فأحضره إليهبمصر وحبسه في حجرة بداره مكرما في سنة خمس وستّين ومائتين. ولم يكن عند ابن المدبّر علم بما بلغ ابن طولون من الوزير الحسن بن مخلد. فكتب إلى ابن طولون رقعة فيها هذه الأبيات [الطويل]:
رأيت قبيل الصبح في النّوم أنّنا ... [قعود] على سطح منيف بنا السطح (?)
إذا فارس يهوي إلى السطح معلنا ... أخو شكّة يزهى به السيف والرّمح
فلوّح بالبشرى إليك مبادرا ... بنصر وتمكين أجدّهما النّصح
وغادر بالتكبير في الدار غدوة ... بعقب كتاب الفتح إذ قرئ الفتح
5 - فلم أر حلما مثله جاء وافدا ... على سرعة ما كان يسبقه النجح
فقل لي فدتك النفس من كلّ حادث ... وإن كان بالنفس الضنانة والشحّ
إلى كم يكون العتب في غير معتب ... بتمويه شأن شانه القذف والقدح
يصرّح بالبهتان تصريح مازح ... ويا ربّ حتف قاده الهزل والمزح
أما خلّة ترعى ولا طول عشرة ... ولا حرمة الندمان ترعى ولا الملح
10 - تبيّن! فإنّ الحقّ يجلو دجى العمى ... وإن كنت في شكّ فقد بيّن الصبح
وما لي ذنب غير أنّي محسّد ... وفي زمن يكدى الأمانة والنصح
فإن كان لي ذنب فحلمك واسع ... وحكم الكتاب الكظم والعفو والصفح
فقد نالني بالأمس ما قد سمعته ... فأجمل فإنّ القرح ينكره القرح
وما كنت ذا شعر ولكن جراحة ... من الغمّ في صدري وقد ينفث الجرح
فلمّا قرأ ابن طولون هذه الأبيات أحضر ابن المدبّر وقال له: تف [كّك] ك وتفكّهك يدلّان على أنّك ما علمت علمي (?) بما قصدتني به مرّة بعد أخرى ولا بما كاتبت به السلطان في أمرى وجرأتك على سوء عادتك وقبح كبرك وجرأتك على ربّك بالأيمان الكاذبة. فهبك تتوهّم أنّك تجوز عليّ، أتجوز على عالم الغيب والشهادة؟
والله لقد أردت قتلك لولا اليمين التى حلفت بها لك، لما صحّ عندي في سعيك فيّ وطلبك أذيّتي وقصدك مكروهي وحيلتك في سفك دمي.
فأنكر ابن المدبّر ما رمي به. فقال له ابن طولون: ويلك، تنكر وهذه كتبك بخطّك عندي؟ .
ثمّ أحضر الكتب وألقاها إليه وقال: ويحك، هذه كتب من يؤمن بالله [3 أ] واليوم الآخر ويخاف عقوبة الله الذي خافه من أساء وبغى؟ والله لولا ما في قلبي من يميني لضربتك بالسياط حتى تموت! .
ثمّ أمر به فأخرج من بين يديه سحبا. وكتب إليه أحمد بن محمد الواسطيّ (?) الكاتب جواب أبياته [الطويل]:
أأحمد كان السطح حين رأيته ... منيفا فلو عاينته خسف السطح
متى كنت في الأحلام لله صادقا ... فتصدق رؤياك إذا وضح الصبح