المقفي الكبير (صفحة 512)

الغور (?) قد انتخبهم وجعلهم عدّة وجمالا، وكان لهم خلق حسن وطول أجسام وبأس شديد، وعليهم الخفاتين والأقبية والمناطق الثقال العراض، وبأيديهم مقارع غلاظ بأطرافها أقماع من فضّة. فكان إذا جلس قاموا بحافّتي مجلسه عن يمينه ويساره، وإذا ركب صاروا ركبانا قدّامه.

فكان له بهم هيبة عظيمة في صدور الناس.

فأخذهم منه أحمد بن طولون بعد ما دخل مصر.

وردّ على ابن المدبّر هديّة أهداها إليه قيمتها عشرة آلاف دينار وطلب الغلمان المذكورين فلم يجد ابن المدبّر بدّا من إرسالهم. وثقل عليه أمر ابن طولون لتحوّل هيبته التي كانت له بغلمانه إلى ابن طولون وقال: هذه همّة عظيمة، من كانت هذه همّته لا يؤمن على طرف من الأطراف.

وكان فيه مع دهائه رديّ (?) عظيم فحدّث شقير [2 أ] الخادم صاحب البريد في أمر ابن طولون وخوّفه منه ولم يزل به حتّى كتبا إلى بغداد بأنّه يردّ الأعراض والأموال ويستهدي الرجال، وخوّفا عاقبته. فبلغ ذلك ابن طولون فكتمه في نفسه.

وصار أمر ابن طولون يقوى بمصر، فزاد قلق ابن المدبّر وقادته الضرورة إلى ملاطفته خوفا منه.

وكتب إلى الحضرة ببغداد هو وشقير بأنّ ابن طولون قد اجتمع له أكثر ممّا كان تجمّع لأحمد بن عيسى بن شيخ (?)، والخوف منه أكثر إذ كان فيه من الفضل ما ليس في أحمد بن شيخ.

فكتب [الخليفة] إلى ابن طولون بالشخوص إلى بغداد ليردّ إليه أمر الدّار بالحضرة وتدبير المملكة، ففطن أنّها حيلة. وما زال حتى قدم إليه

كتاب الحسن بن مخلد الوزير (?) وكتاب يارجوخ بتثبيت ما في يده من عمله. وأطلق له حرمه وولده حتى قدموا عليه من بغداد إلى مصر. وتلطّف حتى أرسل إليه الوزير كتاب شقير صاحب البريد وكتب ابن المدبّر، وفيها أنّ أحمد بن طولون على التغلّب على مصر والعصيان بها. فلم يزل ابن طولون حتى أهلك شقير الخادم وكتب في استقرار ابن هلال في الخراج موضع ابن المدبّر، فأجيب إلى ذلك، وقبض على ابن المدبّر وحبسه بحال سيّئة في داره. ثم ورد الخبر بردّ الخراج إلى ابن المدبّر فأطلقه وتسلّم الخراج فلم يأمن غوائل ابن طولون فكتب إلي أخيه إبراهيم بن مدبّر (?) فسأله في التلطّف له حتى يخلّص من ابن طولون. فقدم عليه الكتاب بتقليد جندي فلسطين والأردنّ وخراج دمشق، وأن يكون أبو أيّوب أحمد بن شجاع ابن أخت وزير (?) موضعه على خراج مصر وذلك في سنة ثمان وخمسين ومائتين. فسعى عند ابن طولون حتى تخلّص منه بأن وهبه ضياعا كان تملّكها بأرض مصر وزوّج ابنته من أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وخرج من مصر وسار معه أحمد بن طولون لتشييعه.

فلمّا قدم الحسن بن مخلد الوزير مصر عند ما نفي أكرمه ابن طولون فحدّثه أنّ ابن المدبّر كان يكتب إليه في أمره، ودفع إليه كتب ابن المدبّر بخطّه فإذا فيها كلّ عظيمة من أنّ ابن طولون قد عزم على أن يقيم خليفة بمصر، ويصف غدره ومكره ويرميه بقبائح ويشير بعزله عن مصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015