وقال الإمام أبو بكر المروزيّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أعدل بالفقر شيئا. رأيت قوما صالحين: لقد رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبّة من لبود وقد أتى عليه السنون والدهور، ورأيت أبا داود الحفريّ وعليه جبّة مخرّقة قد خرج القطن منها يصلّي بين المغرب والعشاء وهو يرجج (?) من الجوع، ورأيت أيّوب بن النجّار بمكّة وقد خرج ممّا كان فيه ومعه رشاء «يستقي به بمكّة وقد خرج من كلّ ما كان يملكه، وكان من العابدين، وكان في دنيا فتركها في يدي يحيى القطّان، في أناس أخر ذكرهم.
وذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد (?) أنّ حاتم الأصمّ قصد الحجّ، فلمّا دخل بغداد قال لبعض أصحاب الإمام أحمد: أحبّ أن أزور أحمد بن حنبل، فقال له: امض بنا إليه، فلمّا دخل عليه في منزله قال له صاحبه: حاتم قصد زيارتك والسلام عليك، فأقبل عليه أحمد وتحادثا ساعة طويلة. ثمّ قال له أحمد بعد بشاشة:
يا حاتم فيم التخلّص من الناس؟ فقال له:
يا أحمد، في ثلاث. قال: وما هي؟ قال: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم شيئا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي من أحد منهم حقّا، وتحتمل مكروهم ولا تكره أحدا منهم على شيء. (قال) فجعل أحمد ينكت بإصبعه على الأرض ويقول: إنّها لشديدة! إنّها لشديدة! فقال له حاتم: وليتك تسلم! وليتك تسلم! .
وفي مجمع الأصحاب في ترجمة الحارث
المحاسبيّ (?) رضي الله عنه.: قال في المناقب:
قال محمد بن خفيف رحمه الله: دخلت يوما على القاضي عليّ بن أحمد فقال له: يا أبا عبد الله:
معنا لكم حكاية تحتاج تكتبها بماء الذهب.
فقلت: أيّها القاضي، ماء الذهب لا أجده ولكنّي أكتبها بالحبر الجيّد. فقال: بلغني أنّه قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أنّ الحارث بن أسد يتكلّم في علم القوم ويحتجّ عليه بالآيات والسنن.
فقال أحمد: أحبّ أن أسمع كلامه من حيث لا يعلم بموضعي، فقال له الرجل: أنا أعمل هذا.
فاتّخذ دعوة ودعا الحارث وأصحابه، ودعا أحمد. فجلس أحمد حيث لا يراه. فلمّا حضرت الصلاة تقدّم الحارث وصلّى بهم المغرب.
وأحضروا الطعام فجعل يأكل ويتحدّث معهم، فقال: هذا من السنّة! فلمّا فرغوا غسلوا أيديهم فقال أحمد: وهذا أيضا من السنّة! ثمّ جلس الحارث وجلس أصحابه فقال: من أراد منكم أن يسأل عن شيء فليسأل، فسئل عن الإخلاص وعن مسائل كثيرة فأجاب عنها بأحسن جواب واستشهد عليه بالآيات والسنن، وأحمد يسمع. فلمّا مرّ هويّ (?) من الليل أمر الحارث قارئا يقرأ شيئا من القرآن، فبكى بعضهم وانتحب آخرون. ثمّ سكت الحارث ودعا بدعوات خفاف ثمّ قام إلى الصلاة