المقفي الكبير (صفحة 469)

وهذا السلطان الملك الظاهر السيّد الأجلّ العالم العادل المجاهد المرابط ركن الدنيا والدّين قد قام بنصر الإمامة عند قلّة الأنصار، وشرّد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار، فأصبحت البيعة باهتمامه [20 ب] واسطة العقود والدولة العبّاسيّة به متكاثرة الجنود، فبادروا عباد الله إلى شكر هذه النعمة وأخلصوا نيّاتكم تنصروا وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا، ولا يروعنّكم ما جرى فالحرب سجال وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (?) والدهر يومان والآخرة للمؤمنين.

جمع الله على التّقوى أمركم، وأعزّ بالإيمان بصركم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

والخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا يقوم بشكر نعمائه، وأشهد ألّا إله إلّا الله وحده لا شريك له عدّة عند لقائه، وأشهد أنّ محمّدا سيّد أنبيائه صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما خلق في أرضه وسمائه.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، إنّ أحسن ما وعظ به الإنسان كلام الملك الديّان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (?).

نفعنا الله وإيّاكم بكتابه وأجزل لنا ولكم من ثوابه وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.

ونزل فصلّى بالناس. وخطب في هذا اليوم للخليفة الحاكم على منابر مصر والقاهرة وكتب إلى الأعمال كلّها في مصر والشام [بأن] يدعوا له

على المنابر في الجمع والأعياد. وكتبت شجرة نسبه المثبوتة على قاضي القضاة وأذهبت لتجهّز إلى الملك بركة، وأعلم في مكاتبته بمبايعة الخليفة.

ثمّ خطب ثانيا في يوم الجمعة ثامن عشرين شعبان منها بحضور رسل الملك بركة ودعا للملك الظاهر والملك بركة، وصلّى بالناس صلاة الجمعة بجامع القلعة. ثمّ اجتمع بالسلطان وبالرسل في مهمّات الإسلام.

فلمّا كانت ليلة الأربعاء ثالث شهر رمضان سأله السلطان هل لبس الفتوّة من أحد من أهل بيته؟

فقال: لا، وأحبّ أن تتّصل بلبس ذلك من السلطان. فألبسه السلطان في هذه الليلة بحضور الأعيان، وباشر ذلك الأتابك فارس الدّين أقطاي عن السلطان بطريق الوكالة، وحمل إليه السلطان من الملابس ما يليق به.

وفي الليلة الثانية حضرت رسل الملك بركة إلى القلعة وألبسهم الخليفة بتفويض الوكالة للأتابك، وحمل إليهم من الملابس ما يليق بهم فطلب له إلى القاهرة شرف الدّين [ ... ] المغربيّ فأقام معه يؤنسه بفقهه وبعلمه وبكتبه. واستمرّ بالبرج بالقلعة إلى أن دخلت سنة ثلاث وستّين فأمره السلطان أن لا يجتمع بأحد [20 ب] فاحتجب عن الناس كلّهم. ولم يزل به مدّة أيّام الملك الظاهر وأيّام ولديه، وأيّام الملك منصور قلاوون إلى أيّام ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون.

فلمّا ولي السلطنة الملك المنصور لاجين في سنة ستّ وتسعين وستّمائة رسم بالإفراج عنه، وقد كان منع الخروج والركوب ولم يمكّن أحد من الاجتماع به، وصار في برج بقلعة الجبل عرف بعد ذلك ببرج الخليفة، فسار إليه عدّة من الأمراء وأخرجوه ومضوا به إلى السلطان. فلمّا رآه قام له وعظّم قدره وسأله أن يفوّض السلطنة إليه فأجابه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015