5 وهمّهم الذي حاموا عليه ... من الدنيا، وهمّي ما أمامي
فإن أسلم أعمّهم بحرب ... يشيب لهولها رأس الغلام
وإن أهلك فقد قدّمت أمرا ... أفوز بفلجه يوم الخصام
وقد زأروا عليّ وأوعدوني ... ومن ذا مات من خوف الكلام؟
ولمّا أراد عليّ رضي الله عنه المسير إلى أهل الشام قام خطيبا، فقال بعد حمد الله: سيروا إلى أعداء السّنن والقرآن، سيروا إلى قتلة المهاجرين والأنصار! سيروا إلى عدوّ الإسلام! سيروا إلى حرب محمّد (?)، وجماع طغام الذين كان إسلامهم خوفا وكرها وطمعا في الأموال! سيروا [25 ب] إلى المؤلّفة قلوبهم كيما يكفّوا عن المسلمين بأسهم، فطال والله ما صدّوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجا وتحالفوا على أهله وجعلوا لهم المراصد ووضعوا عليهم المسالح، ورموهم بالمناسر والكتائب، وصدّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عن المسجد الحرام، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وجدّوا في إطفاء نور الله حتى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون. وايم الله! ما زلنا لهم على إسلامهم متّهمين ولإحداثهم فيه خائفين حتى نجمت هذه الأمور التي ترون.
فقام رجل من بني فزارة يقال له أزبد، فقال: يا عليّ، أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم؟ كلّا والله! إذن لا نفعل ذلك.
فقام الأشتر فقال: من هذا، أيّها الناس؟
فهرب الفزاريّ واشتدّ الناس على أثره فوطئوه
بأرجلهم وضربوه حتى قتل. فلمّا بلغ ذلك عليّ بن أبي طالب، قال: قتيل عميّة لا يدرى من قتله: ديته من بيت مال المسلمين- وقام الأشتر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، لا يهدّك ما رأيت ولا يؤيسك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقيّ الخائن. إنّ جميع من ترى من الناس شيعتك، وليس يرغبون بأنفسهم عن نفسك ولا يحبّون بقاء بعدك. فإن شئت فسر بنا إلى عدوّك. والله ما ينجو من الموت من خافه، ولا يعطى البقاء من أحبّه، ولا يعيش بالأمل إلّا الشقيّ، وإنّا لعلى بيّنة من ربّنا أنّ نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها. فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين، وقد وثبت طائفة منهم على طائفة من المؤمنين فأسخطوا الله وأظلمت بأعمالهم الأرض، وباعوا أخلاقهم بعرض من الدنيا يسير؟
فقال عليّ: الطريق مشترك، والناس في الحقّ سواء، ومن اجتهد رأيه في نصيحة العامّة فله ما نوى وقد قضى ما عليه.
ثمّ نزل فدخل منزله، فلمّا سار عليّ رضي الله عنه من الكوفة يريد الشام ومرّ بالرقّة، قال لأهله:
اجسروا لي جسرا أعبر من هذا المكان إلى الشام.
- فأبوا وضمّوا السفن عندهم، لأنّ جلّ أهلها كانوا عثمانيّة قد فرّوا من الكوفة إلى معاوية، وتحصّنوا بها، فنهض عليّ من عندهم ليعبر من جسرمنبج وخلّف عليهم الأشتر فناداهم: يا أهل هذا الحصن، إنّي لأقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم جسرا حتى يعبر منها، لأجرّدنّ فيكم السيف ولأقتلنّ مقاتليكم ولأخربنّ أرضكم ولآخذنّ [26 أ] أموالكم (?).
فلقي بعضهم بعضا فقالوا: ليس الأشتر