فلمّا انهزم أصحاب الجمل ودخل عليّ رضي الله عنه البصرة- ولم يقتل مدبرا، ولا دفّف (?) على جريح، ولا كشف سترا، ولا أخذ مال أحد، بل جمع ما كان في العسكر من شيء، ثمّ بعث به إلى مسجد البصرة وقال:
من عرف شيئا فليأخذه، إلّا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، فإنّه لمّا بقي لم يعرف، قال لأصحابه: خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله. لا يحلّ لمسلم من مال المسلم المتوفّى شيء. وإنّما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفيل من سلطان.
ووجد في بيت المال بالبصرة ستّمائة ألف وزيادة، فقسمها على من شهد معه الوقعة، فأصاب كلّ رجل منهم خمسمائة، وقال: إن أظفركم الله بالشام فمثلها إلى أعطياتكم.
فخاض في ذلك السبائيّة وطعنوا على عليّ خفية وسرّا، فبلغه عن الأشتر أنّه قال: ما بال ما في العسكر يقسم، ولا يقسم ما في البيوت؟
- فأرسل إليه يزيد بن قيس، فأتاه به، فقال: أنت القائل في أصحابك كذا؟
قال: نعم.
قال: إنّا والله ما قسمنا عليكم إلّا سلاحا من مال الله كان في خزائن المسلمين أجلبوا به عليكم فنفلتكموه، ولو كان لهم ما أعطيتكموه لرددته على من أعطاه الله إيّاه في كتابه. إنّ الحلال حلال أبدا، وإنّ الحرام حرام أبدا. والله لئن ثنيتم لي الوسادة وتابعتموني لأسيرنّ بكم بسيرة يشهد لي بها أهل التوراة والإنجيل والزبور أنّي قد قضيت بما في القرآن.
وأحسن أدبه بالدرّة، فقال له يزيد بن قيس: يا
أشتر، والله لئن عدت بمثل هذا لأضربنّ عنقك! أما كفانا من شرّك؟
فخرج حتى دخل على عائشة رضي الله عنها وقد بعثها عليّ رضي الله عنه إلى دار بالبصرة، فسلّم فردّته، فاعتذر فقالت: ويحك يا أشتر، سعيت مع قوم شبّوا [24 ب] الفتنة ودعوا إلى الفرقة وعدوا على الإمام. ولن تعجزوا الله حتى يصيبكم بنقمة من قبله ثمّ تجزوا آثام ما سننتم.
فخرج من عندها وهو يرى أن قد قبلت منه.
وجهّز عليّ عائشة رضي الله عنها لتسير من البصرة إلى المدينة، فاشترى الأشتر بعيرا بمائتي دينار (?)، وبعث به إلى عائشة وقال: إنّه حملان-فردّته عليه وقالت لرسوله: أليس صاحبي القائل يوم كذا وكذا، والقائل يوم كذا وكذا، والفاعل، والفاعل؟
فلمّا بلغه ذلك قال: والله ما تلومني عائشة من بين الناس، فأمّا ما ذكرت من فعلي، فو الله لقد ضربت ابن أختها، ولولا ذلك لقتلني، وما نجّاني ذلك منه، ولقد اعتنقني فقال: اقتلوني ومالكا! وو الله ما يسرّني أنّه قال: والأشتر، وأنّ لي حمر النّعم، فلولا النزف أدركني لقتلني. ولقد اضطربت تحته فأفلتّ.
ثمّ إنّ عائشة لمّا سارت من البصرة، خرج منها عليّ إلى الكوفة. فقدمها يوم الاثنين لثنتي عشرة من رجب سنة ستّ وثلاثين. وبعث عمّاله إلى البلاد، فبعث الأشتر على الموصل ونصيبين ودارا وسنجار وآمد وهيت وعانات، وما غلب عليه من أرض الجزيرة.
وبعث معاوية بن أبي سفيان من دمشق