تجرّد قوم لغدر الأمور ... حكيم والاشتر وابن الحمق
وجاريه اليوم يسدي الشّكاة ... وكلّ على غير ذنب حنق
يعيبون سنّة من قد مضى ... ضفادع في قعر بحر تنق
ولو قيل: هات، لمن عابها، ... معابك! - غصّ بها أو شرق
5 وفي كلّ عيب لهم حجّة ... هي أضوأ من صبحنا المنفلق
فلمّا تواعد السبائيّة على عثمان رضي الله عنه وخرج عبد الرحمن بن عديس [البلويّ التجيبيّ] على ستّمائة من أهل مصر، وخرج أهل البصرة في مثل عددهم، عليهم حرقوص بن عليّة (?) السعديّ، وخرج أهل الكوفة في مثل ذلك، عليهم زيد بن صوحان العبديّ والأشتر النخعيّ، في آخرين، فحصروا عثمان رضي الله عنه حتّى قتل، وعرضوا البيعة على عليّ رضي الله عنه، فامتنع، فأتاه الأشتر فقال: ما يمنعك أن تجيب هؤلاء القوم إلى البيعة؟
قال: لا، إلّا على ملإ وشورى.
فقال: أما والله لتعصرنّ غدا عينيك عليها.
ثمّ لمّا اجتمع الناس بالمدينة على عليّ رضي الله عنه، ذهب الأشتر فجاء بطلحة رضي الله عنه فقال له طلحة: دعني حتى انظر ما يصنع الناس! - فلم يدعه وجاء به يدعّه وجاء به يتلّه (?) تلّا عنيفا، فبايع.
ثمّ إنّ طلحة والزبير خرجا إلى مكّة وسارا بأمّ
المؤمنين عائشة إلى البصرة وأخذاها، فسار عليّ يريدهم، وبعث محمّد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر إلى أبي موسى الأشعريّ، وهو على الكوفة، يدعوه لطاعته. فامتنع حتى قتل قتلة عثمان، فبعث الأشتر ومعه عبد الله بن عبّاس وقال له: يا أشتر، أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كلّ شيء. اذهب أنت وعبد الله بن عبّاس فأصلح ما أفسدت.
فلم يجب أبو موسى، وعاد ابن عبّاس إلى عليّ بذلك، فبعث ابنه الحسن ومعه عمّار بن ياسر إليه. فقدمت وفود الكوفة على عليّ، وسار بهم إلى البصرة ومعه الأشتر. فشهد وقعة الجمل، وكان لا يأخذ زمام عائشة يومئذ إلّا معروف. فجاء عبد الله بن الزبير فأخذ الزمام، وقال: أنا عبد الله، أنا ابنك، أنا ابن أختك.
فقالت عائشة: وا ثكل أسماء! - تعني أختها.
فتقدّم الأشتر إلى الجمل فخرج إليه [24 أ] عبد الله بن حكيم بن حزام فاختلفا ضربتين فقتله الأشتر. فمضى إليه عبد الله بن الزبير فضربه [ف]- جرح رأسه جرحا شديدا. فضرب ابن الزبير الأشتر واعتنقا وخرّا إلى الأرض يعتركان، فقال ابن الزبير: اقتلوني ومالكا! - وكان الأشتر يقول:
ما أحبّ أنّه قال: «والأشتر»، وأنّ لي حمر النعم- فشدّ أناس من أصحاب عليّ ومن أصحاب عائشة فأنقذا كلّا منهما من صاحبه- وكان الناس لا يعرفونه بمالك، ولو قال ابن الزبير: اقتلوني والأشتر! وكانت له ألف نفس ما نجا منها بشيء (?).