فأمر له بقماش كثير وذهب وغلّة وشمع، وخلع عليه، فبلغ ما أجازه به ألف دينار، وقال لرسوله:
قل لبهاء الدين: فلوس ما بيننا؟
وبنى بدمشق المدرسة العادليّة ودفن فيها أباه الملك العادل فعرفت به، وهي وقف على الفقهاء الشافعيّة. وبنى بظاهر دمشق مدرسة للحنفيّة.
وكان ينشد كثيرا [الكامل]:
ومورّد الوجنات أغيد خاله ... بالحسن من فرط الملاحة عمّه
كحل الجفون، وكان في ألحاظه ... كحل فقلت سقى الحسام وسمّه
ودخل عليه الحاجب يوما فقال: أحمد اليمنيّ المجاور العامل على الأوقاف يستأذن في الحضور- وكان معتنيا به- ولا ينصرف.
فقال المعظّم: أضفه واصرفه!
ومن شهامته أنّه دخل عكّا وهي يومئذ بيد الفرنج لكشف أحوالها وهو في زيّ زيّات، وأقام بها أيّاما ورهن خاتمه عند بيّاع بها، وعاد إلى دمشق، وكتب إلى ملك الفرنج بعكّا يعلمه بما شاهد ويسأله أن يفتكّ خاتمه وينفذه إليه. فقامت قيامة ملك عكّا وكاد يموت غيظا وأسفا.
وخرج يوما من داره بقلعة دمشق فوجد رجلا في الدهليز البرّاني، من أعوان القاضي، فقال له:
ما شغلك؟
فقال- ولم يعرف المعظّم: راجل (?) القاضي.
فقال: ما تريد؟
فنظر إليه وقد ازدرى حاله، وقال: بالله اسكت! الأمراء والكبراء ما نجح قولهم، ينجح عندك؟
فقال له المعظّم: ما عليك. قل ما شئت فإنّي ضامن النجاح- وغمزه بعض الحاضرين بأن يقول- فقال: إنّ مملوك المعظّم فلان الفلانيّ، لفلان التاجر عنده حقّ، ولي منذ شهر متردّد من قبل القاضي فلا يلتفت إليّ وكلّما رجعت إلى القاضي لا مني. وقد حرت في أمري.
فقال المعظّم: لا تبرح من مكانك- فلم يمض غير قليل حتّى عاد، وإذا بالمملوك قد جيء به وعمامته في رقبته- وكان عند المعظّم بمنزلة رفيعة وله [178 ب] حرمة عظيمة، وقال: هذا صاحبك؟
قال: نعم.
قال: احمله على هذه الحالة إلى القاضي. وإن سمعت أنّك أزلت عمامته من عنقه شنقتك بها.
فخاف عون القاضي الموت وأخذ المملوك على تلك الحالة إلى القاضي. فارتجّت مدينة دمشق بالدعاء للمعظّم. وقضى القاضي على المملوك للتاجر بحقّه. فلمّا انفصلت الحكومة أمر المعظّم بإخراج المملوك من القلعة وأسكنه المدينة وقطع خبزه وأعرض عنه وقال: ذلك أدب الشرع، وهذا أدبي. فمن يكون في خدمتي لا يرتكب ما يسيء القالة في دولتي ويشهّر اسمي بالظلم- واستمرّ المملوك على تلك الحالة مدّة، إلى أن شفع فيه.
وقال فخر القضاة ابن بصاقة- وكان ينادم المعظّم: كنت كأنّي أنادم بعض أصحابي، بل أحد غلماني. ما رأيت أنصف منه ولا أحبّ في راحة نديمه، وكأنّ مجلسه الجنّة ليس فيها إلّا الراحة بلا كلفة. ولقد ارتفعت المناقشة والمحاسبة بيننا وبينه. وكان يشرب معنا ويحضر مجلسنا عنده جنديّ كبير من حلقته له خبز يصلح لعشرة من