وعشرين وستّمائة فدفن بقلعتها وكان موته وقت العصر وعمل عزاؤه عند باب الخطابة بجامع دمشق وحضر ولده الناصر داود. ثم نقل إلى صالحيّة دمشق.
فسرّ الكامل بموته. وكان عمره يوم مات ثماني وأربعين سنة وستّة أشهر تنقص تسعة أيّام، ملك منها ثماني سنين وسبعة أشهر تنقص ثمانية أيّام.
وأمر عند وفاته أن لا يكفّن إلّا في البياض وأن [لا] يلحد له ويدفن في الصحراء ولا يبنى عليه. وكان يقول: واقعة دمياط ذخري عند الله تعالى، وأرجو أن يرحمني بها.
وكان ملكا شجاعا كريما أديبا ليّنا فقيها فاضلا في عدّة علوم من نحو وأدب، مع الإقدام وترك النظر في العواقب، والتجبّر، واطّراح الكلفة في الملابس. وبلغ عسكره ثلاثة آلاف فارس، وعسكر الكامل اثني عشر ألفا، ومع ذلك يخيفه ويخفق على رأسه بالتهديد في كلّ وقت. ويخافه أيضا أخوه الأشرف صاحب بلاد الشرق. فإنّه كان يعتني بعساكره ويبالغ في تجمّلهم وكثرة عبر إقطاعاتهم فعظمت رغبتهم في خدمته وازدادت محبّتهم له طمعا في عطائه وكثرة سخائه. وكان مع ذلك حازما مهابا يحبّ العدل.
وشرح الجامع الكبير في الفقه. ورؤي بخطّه على كتاب سيبويه: إنّي قطعته حفظا من خاطري.
ووجد بخطّه أيضا على كتاب النكت في الفقه على مذهب أبي حنيفة أنّه قطعه حفظا، وهو في مجلّدين. وأمر أن يجمع له كتاب في اللغة يحتوي على صحاح الجوهريّ وجمهرة ابن دريد وتهذيب الأزهريّ وغير ذلك، وأن يرتّب له مسند الإمام أحمد. وكان يقول: أنا على عقيدة الطحاويّ.
ورؤي بخطّه على عدّة مواضع من كتاب سيبويه حواش وفوائد ومؤاخذات في غاية الجودة وفي آخره: أتممته مطالعة وأنا بنابلس. وشرط في أيّامه لمن حفظ كتاب المفصّل في النحو للزمخشريّ مائة دينار فحفظه أهل الشام واعتنوا به، ومات والناس في حفظه. وشرط لمن يحفظ الجامع الكبير مائة دينار. وكان محبّا لأهل العلم لا يزال عنده طائفة من الفضلاء في إقامته وسفره لا يفارقونه أبدا، منهم فخر القضاة نصر الله ابن بصاقة، وأبو المحاسن [محمد بن نصر الله] بن عنين (1*) كاتب إنشائه. وأهدى مرّة طبقا فيه أترجّ وليمون قدم إليه من مدينة قيسارية إحد [ى] مدن الساحل إلى بهاء الدين ابن القيسرانيّ، واتّفق أنّه كان قد قدم عليه الأمير سعد الدين الأسدي ابن خالته وسرّ به سرورا زائدا، فكتب إليه ابن القيسراني [الكامل]:
يا أيّها الملك المعظّم والذي ... أضحت له الدنيا تزفّ عروسا
أوليتني نعما إذا أظهرتها ... للناس أظهر حاسدوها بوسا
[179 أ] فليهنك اليوم الذي قد أطلعت ... فيه الكؤوس كواكبا وشموسا
قدوم سعد الدين سعد ذابح ... للكفر يمنحهم أذى ونحوسا
فكتب إليه الملك المعظّم:
يا من تفرّد بالفضائل دائبا ... [ ... ] يؤسّس مجدها تأسيسا
لا زلت في درج المكارم راقيا ... تعلو وربعك بالثنا مأنوسا
فكتب إليه ابن القيسرانيّ:
مدح بمدح يستطاب، ولا أرى ... ما بين ذين دراهما وفلوسا