فعظمت رزيّة المسلمين بتخريب القدس واستيلاء [180 أ] الفرنج على مدينة دمياط. وكان الشروع في هدم سور القدس أوّل يوم من المحرّم فقال [ ... ] يهجو المعظّم [المخلّع]:
في رجب حلّل المحرّم ... وخرّب القدس في المحرّم
وهدم أيضا قلعة الطور ومحا أثرها خوفا من استيلاء الفرنج أهل عكّا عليها. وما برح بالمنصورة قريبا من دمياط حتى أخذ الملك الكامل مدينة دمياط من الفرنج وعاد إلى قلعة الجبل فرجع المعظّم إلى دمشق في شهر رجب سنة ثماني عشرة.
وفي سنة عشرين وستّمائة ملك المعرّة وسلميّة. ونازل حماة ثم أفرج عنها. وفي سنة إحدى وعشرين خرج من دمشق يريد محاربة أخيه الملك الأشرف موسى، نصرة للملك المظفّر غازي صاحب إربل فبعث إليه الملك الكامل من مصر يقول له: والله لئن تحرّكت من دمشق لأسيرنّ وآخذها منك!
فخاف وعاد إلى دمشق وفسد ما بينه وبين الكامل. واتّهم الكامل كثيرا من أمرائه بالميل إليه وقبض عليهم وبعث إلى الأشرف بموافقته فإنّه لم يغاضب المعظّم إلّا بسببه، ويأمر من معه ألّا يخالفوه. فتأكّدت الوحشة بينهما، وكثر توهّم الملك الكامل من عسكره، فإنّ المعظّم بعث إليه في سنة ثلاث وعشرين يقول له: إن قصدتني لا آخذك إلّا بعسكرك- وصار يريد التوجّه إلى دمشق فيقعده الوهم.
وخرج المعظّم إلى حمص ونازلها وخرّب قراها ثمّ رحل عنها ولم يقدر على المدينة، وكثر الموت في عساكره ودوابّه. فقدم عليه أخوه الأشرف وحلف له على معاونته على الكامل فسرّ بذلك سرورا كثيرا. فاشتدّ خوف الكامل وبعث إلى الإمبراطور ملك الفرنج في سنة أربع وعشرين يسأله أن يقدم إلى عكّا، ووعده أن يعطيه بعض ما بيد المسلمين من البلاد الساحليّة. وأراد بذلك أن يشغل سرّ المعظّم. فتجهّز الإمبراطور لقصد عكّا.
وبلغ المعظّم ذلك فكتب إلى السلطان جلال الدين [ ... ] خوارزم شاه يسأله النجدة على الملك الكامل ويعده أنّه يخطب له في مملكة الشام ويضرب السكّة باسمه. فبعث إليه السلطان جلال الدين خلعة لبسها وشقّ بها مدينة دمشق. وقطع اسم الكامل من الخطبة وخطب باسم السلطان جلال الدين في شهر رمضان سنة أربع وعشرين.
فخرج الكامل من القاهرة بعساكر مصر لمحاربته ونزل بلبيس. فبعث إليه ملطّفا يقرأ سرّا: إنّي نذرت لله تعالى أنّ كلّ مرحلة ترحلها لقصدي أتصدّق بألف دينار فإنّ جميع عسكرك معي وكتبهم عندي. وأنا [179 ب] آخذك بعسكرك- وكتب مكاتبة تقرأ ظاهرا بأنّي مملوكك، وما خرجت عن محبّتك وطاعتك. وحاشاك أن تخرج وتقاتلني وأنا أوّل من أنجدك وحضر إلى خدمتك من دون جميع ملوك الشام والشرق- فأظهر الكامل هذا بين الأمراء وعاد إلى قلعة الجبل من العبّاسة، وقد تخوّف من أمرائه وقبض على كثير منهم ومن غيرهم وشرع في التجهيز إلى دمشق (1*).
وقويت الأخبار بمسير ملك الفرنج (2*) فخرج المعظّم من دمشق وخرّب قلاعا وأفسد عدّة صهاريج بالقدس وعاد إلى دمشق فمرض بها ومات يوم الجمعة آخر ذي القعدة سنة أربع