المقفي الكبير (صفحة 1797)

رأس الصلاحيّة، فلم يجيباه وتحيّزا بمن معهما إلى الملك الظاهر غازي صاحب حلب. فقدم ومعه أخوه الأفضل وحصرا المعظّم بدمشق من رابع عشر ذي القعدة منها إلى مستهلّ المحرّم سنة ثمان وتسعين، ثمّ رحلا بحيلة دبّرها العادل.

فلمّا كانت سنة أربع وستّمائة قسم العادل [180 ب] الممالك بين أولاده وأعطى المعظّم من العريش إلى حمص وأضاف إليه الساحل والغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد.

وفي سنة ثمان وستّمائة تسلّم قلعة كوكب وعجلون من الأمير عزّ الدين أسامة [الصلّاحي] (?) بعد القبض عليه فهدم قلعة الكوكب وعفّى أثرها. فلمّا مات الملك العادل في سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستّمائة بعالقين وحمل إلى دمشق استولى المعظّم على سائر أمواله التي كانت معه وجميع ثقله. وركب وسكّن الناس وأمّنهم ونادى بدمشق: ترحّموا على السلطان الملك العادل وادعوا لسلطانكم الملك المعظّم أبقاه الله (?).

واستبدّ بسلطنة دمشق، وأعاد في شهر رجب منها ضمان القيان والخمور وغير ذلك من الفواحش التي أبطلها أبوه، بحيث إنّه لم ير أحد كانمتظاهرا بالخمر في دمشق، حتى أعاد ذلك المعظّم ففشت المنكرات في الناس. واعتذر عن فعله بقلّة المال عنده واحتياجه إلى النفقة في العساكر لقتال الفرنج.

ثم سار من دمشق نجدة لأخيه الملك الكامل محمد على قتال الفرنج حتى نزل بعساكره أشموم طناح من قرى القاهرة الغربيّة يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة سنة خمس عشرة بعد ما ملك الفرنج مدينة دمياط قبل قدومه بيومين، فقويت

شوكة الكامل وثبت ملكه، فإنّه كان قد همّ بمفارقة مصر من أجل قيام الأمير عماد الدين أحمد ابن المشطوب عليه واستمالته الأمراء إلى نصب الملك الفائز إبراهيم ابن العادل وخلع الملك الكامل، مع استيلاء الفرنج على دمياط وكثرة الفتن بديار مصر.

ثم ركب إلى خيمة ابن المشطوب كأنّه يزوره فخرج لخدمته وتلقّاه لينزل فدعاه للركوب والمسايرة للنزهة فبادر ولبس خفّيه وثيابه وركب عجلا، وقد أدهشه وقوف الملك المعظّم ببابه، وسار معه بمفرده حتى بعدا عن العسكر. فقال له المعظّم: يا عماد الدين، هذه البلاد لنا أو لك؟

فقال: أعوذ بالله يا مولانا من هذا الكلام، إنّما هي بلادكم.

قال: أشتهي أن تهبها لي وتخرج منها.

فتحيّر ولم يملك دفاعا. فوكّل به المعظّم عدّة من أصحابه ودفع إليه نفقة، فأخذوه وساروا به على حالته إلى دمشق. فنزل بحماه كما ذكر في ترجمته (1*). وعند ما توجّه ابن المشطوب عاد المعظّم إلى الملك الكامل وأعلمه بإخراج ابن المشطوب فكاد يطير من الفرح. ثم عاد المعظّم (2*) إلى دمشق عقيب ذلك.

وقدم ثانيا في ثالث جمادى الآخرة سنة ستّ عشرة فيمن قدم من الملوك لمحاربة الفرنج بعد ما خرّب مدينة القدس وهدم أسوارها خوفا من الفرنج أن تملكها، في سادس المحرّم، وأخرج الناس منها حتى لم يبق بها إلّا يسير من الضعفاء، ونقل ما كان بها من الأسلحة وآلات الجهاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015