فامتعض عمارة وغرّه ما كان منه في مجلس شاور من الثناء على بني رزيّك وأنشد:
أثمت يا من هجا السادات والخلفا ... وقلت ما قلت في ثلبهم سخفا
جعلتهم صدفا حلّوا بلؤلؤة ... والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا
وإنّما هي دار حلّ جوهرهم ... فيها وشفّ فأسناها الذي وصفا
فقال لؤلؤة عجبا ببهجتها ... وكونها حوت الأشراف والشرفا
فهم بسكنائها الآيات إذ سكنوا ... فيها ومن قبلها قد أسكنوا الصحفا (?)
[171 أ] والجوهر الفرد نور ليس يعرفه ... من البريّة إلّا كلّ من عرفا
لولا تجسّمهم فيه لكان على ... ضعف البصائر للأبصار مختطفا
فالكلب يا كلب أسنى منك مكرمة ... لأنّ فيه حفاظا دائما ووفا
فطارت هذه الأبيات كلّ مطار وعدّت على عمارة. ثم ما قنع بها حتى زاد في التعصّب ولم يفكّر في عاقبته، وقال عند ما أخذ المظفّر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيّوب منازل العزّ التي بمدينة مصر وسكنها [البسيط]:
لي بالديار غداة البين وقفات ... أبكي رسوما خلت منهنّ سادات
هي المنازل لي فيها علامات ... من بعد سكّانها أهل العلى ماتوا
منازل العزّ يبكيني تشعّثها ... منازل لم تزل عندي عزيزات
شاورت أبله قلبي في السلوّ وقد ... يقال للبله في الدنيا إصابات
فقال: رأي ضعيف لست أقبله ... كيف السلوّ ولي في القوم نيّات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم ... وعاش قوم وهم في الناس أموات
يا ربّ إن كان لي في وصلهم طمع ... عجّل عليّ فللتأخير آفات
ولم يكتف بهذا حتّى قال يهجو تقيّ الدين عمر، وهو شرارة القوم [السريع]:
عظّمتما الأمر وفخّمتماه ... فما ابن شاهنشاه إلّا ابن شاه
الشاة لا ينكحها ضيغم ... إن شئتم أخبرتكم من أباه
فمن تكون الشاة أمّا له ... فما يكون التيس إلّا أباه
فشنّعت القالة عليه وصار في نصاب من يذمّ أولياء السلطان ويمدح أعداءه وينازعه في أغراضه ومقاصده، وهذه خلال لا يحتملها السلطان فتنبّهت له أعين الرقباء، ونصبت له الأعداء حبائل المصائب وبحثوا عن عوراته فألّفوا له بيتا أفتى فقهاء مصر حينئذ بتكفيره وقالوا: هذا منه تصريح بأنّ النبوّة مكتسبة وتمالئوا على قتله، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم مثقال ذرّة.
والبيت [البسيط]:
قد كان أوّل هذا الدين من رجل ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
فأخرج به وبالجماعة في يوم السبت الثاني من شهر رمضان سنة تسع وستّين وخمسمائة إلى بين القصرين، وقيل له عند ما أحضر إلى الخشب:
أنت اشتهيت هذا ودعوت الله، وقد استجاب