المقفي الكبير (صفحة 1779)

والقشّة أحد أمراء المصريّين ونجاح الحمامي وشخصا من النصارى منجّما، قد اتّفقوا على الوثوب بالقاهرة لإعادة دعوة المصريّين وردّ الدعوة العلويّة إلى ما كانت عليه، وقد وافقهم الجند المصريّون والرجّالة السودان وحاشية القصر على هذا، وأنّهم قد استمالوا من أمراء السلطان وجنده جماعة، وأطلعوني على أمرهم لثقتهم بي، وقد تعيّن الخليفة والوزير، وتقاسموا الدور وقرّروا الحال واستدّعوا بالفرنج من صقليّة ومن الساحل ليحضروا إلى القاهرة وعيّنوا لهم مقدارا كبيرا من المال وعدّة من أرض مصر وبلادها، فإذا قدم الفرنج وخرج السلطان إلى قتالهم ثاروا في القاهرة ومصر بمن فيها من جهة السلطان، وأعادوا الدعوة العلويّة فيصير السلطان بين الفرنج وبينهم فيؤخذ حينئذ قبضا باليد.

فلم يحتمل السلطان ذلك وأمره بالعودة إليهم ومواطأتهم على ما هم فيه، وإعلامه بما يتجدّد.

فسأله ابن نجا أن ينعم عليه بجميع ما لابن كامل من الدور والعقار والمال الظاهر والمدخور.

فرسم له به ومضى عنه. فاتّفق وصول ملك الفرنج بالساحل ومعه هديّة ورسالة، فأوهم القوم السلطان بأنّ الرسول [171 - ب] إنّما حضر لميعادالجماعة. فوضع عليه من يأتيه بخبره. فلم يزل يداخل الرسول إلى أن عاد إلى السلطان وأعلمه بالخبر على جليّته، فقبض على الثمانية.

وكان عمارة لمّا أحسّ بالطلب فرّ ولجأ إلى دار القاضي الفاضل. فلمّا علم به أغلق بابه، وقيل له:

القاضي نائم- فأنشد [الكامل]:

عبد الرحيم قد احتجب ... إنّ الخلاص من العجب

وأنشد أيضا، وهما لا يوجدان في ديوانه [سريع]:

أعوذ بالله السميع العليم ... ممّن ذمّني ثمّ بعبد الرحيم

تثنية لم تكد عن شركة ... لكن كريم ناب عنه كريم.

وبينا هو يريد الفرار إذ أدركه الأعوان وأخذوه.

وكان قد وقع لعمارة أمور لا يحتمل مثلها الملوك: منها أنّه كما تقدّم كان خصيصا بشاور، فلمّا قتل صلاح الدين يوسف شاور كما ذكر في ترجمته (1*) وصار الأمر لعمّه شيركوه ثم له، وأزال الدولة الفاطميّة، أخذ في محو آثارها وطمس مبارّها، ورأى هو ومن وافقه أنّه قد قام بأمر دينيّ، وأنّ القوم كانوا كفّارا، ونحو ذلك من شنيع القول. فشرع عمارة في معارضة السلطان وإشاعة فضائل الخلفاء الفاطميّين وذكر محاسنهم، ورثاهم بالقصيدة التي لم يسمع فيما بكيت به دولة بعد انقراضها مثلها، وقد ذكرتها في ترجمة العاضد (2*).

وحضر في سنة سبع وستّين وخمسمائة عند نجم الدين أيّوب والد السلطان صلاح الدين يوسف بمنظرة اللؤلؤة وكانت مسكنه وحضر أيضا يحيى ابن أبي حصينة الشاعر، فأنشد ابن [أبي] حصينة نجم الدين أيّوب مدحا فيه [البسيط]:

يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا ... منها وما كان منها لم يكن طرفا

قد عجّل الله هذي الدار تسكنها ... وقد أعدّ لك الجنّات والغرفا

تشرّفت بك عمّا كان يسكنها ... فالبس بها العزّ ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صدفا والدار لؤلؤة ... وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015