أنّي حسدت على كرامتك التي ... من أجلها في كلّ يوم أكرم
وبدون ما أسديته من ننعمة ... سدّى الرجال الحاسدون وألحموا
إن كان ما قالوا، وليس بكائن، ... فأنا امرؤ ممّن سعى بي ألأم
غدر كأخبار الحسود وموقف ... ألزمت نفسي فيه ما لا يلزم
كذب وحقّك لو حلمت بذكره ... أقسمت أنّي بعدها لا أحلم
[172 ب] راجع جميل الرأي فيّ بنظرة ... تضحي عواطفها تسيح وتسحم
فالليل إن أقبلت صبح مسفر ... والصبح [173 - ب] أن أعرضت ليل مظلم
بدأت صنائعك الجميل ومثلها ... بأجلّ من تلك البداية يختم
فزال ما كان في نفس الصالح منه وأمر له بمائة دينار، وخرج الأمر إلى الأمير عزّ الدين حسام بحمل رسومه من بيت المال ففعل، وأمر [هـ] بملازمة الخدمة في المجالسة والمؤاكلة والمدح.
فتأكّدت الحرمة وتضاعفت المزيّة والاختصاص حتى إنّه جرى من بعض الأمراء في مجلس السّمر عند الصالح من ذكر السلف ما أوجب قيام عمارة عن المجلس، فخرج واعتذر بحصاة تعتاده، وانقطع في منزله ثلاثة أيّام، ورسول الصالح في كلّ يوم يرد إليه ومعه الطبيب. ثم ركب إليه بعد ذلك، والصالح في البستان مع جلسائه.
فاستوحش من غيبته، فأعلمه أنّه لم يكن به وجع ولكنّه كره ما جرى في حقّ السلف وقال: إن أمر السلطان بقطع ذلك حضرت، وإلّا فلا، وكان لي في الأرض سعة وفي الملوك كثرة.
فتعجّب الصالح من ذلك وقال له: سألتك بالله، ما الذي تعتقد في أبي بكر وعمر؟
فقال عمارة: أعتقد أنّه لولاهما لم يبق للإسلام حرمة، ولا علا له راية، وما من مسلم إلّا ومحبّتهما واجبة عليه- ثم قرأ قوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:
130]. فضحك الصالح، وكان مرتاضا حصيفا قد لقي فقهاء السنّة وسمع كلامهم. فلمّا انقضى المجلس كتب الصالح هذه الأبيات وبعثها إلى عمارة ومعها ثلاثة أكياس دراهم [الكامل]:
قل للفقيه عمارة يا خير من ... أضحى يؤلّف خطبة وكتابا
اسمع نصيحة من دعاك إلى الهدى ... قل حطّة وادخل إلينا البابا (1*)
تلق الأئمّة شافعين ولا تجد ... إلّا لدينا سنّة وكتابا
وعليّ أن يعلو محلّك في الورى ... وإذا شفعت إليّ كنت مجابا
وتعجّل الآلاف وهي ثلاثة ... صلة وحقّك لا تعدّ ثوابا
فأجابه عمارة:
حاشاك من هذا الخطاب خطابا ... يا خير أملاك الزمان نصابا
لكن إذا ما أفسدت علماؤكم ... معمور معتقدي وصار خرابا
ودعوتم فكري إلى أقوالكم ... من بعد ذاك أطاعكم وأجابا
فاشدد يديك على صفاء محبّتي ... وامنن عليّ وسدّ هذا البابا