المقفي الكبير (صفحة 1775)

دينار تسفير لعمارة من الخليفة قليل، فاستجملوا من الرجل فما جاءكم مثله، وزيدوه مائتي دينار، فتكون الوفادة خمسمائة دينار والتسفير خمسمائة دينار- ففعلت السيدة العمّة ذلك، وحمل إليه خمسمائة دينار تسفيرا.

ثمّ دخل على الصالح بدار الوزارة ليوادعه فأنشده من أبيات [الكامل]:

لازمت خدمته فأدّب خاطري ... فالمدح من إحسانه معدود

فإذا نظمت له المديح فإنّما ... أهدي بضاعته له وأعيد

فلأشعرنّ به مشاعر مكّة ... ولتسمعن عدن بها وزبيد

صدر حمدت به الورود وإنّما ... ذمّت به عودي المطايا القود (?)

فخلع عليه ودفع له مائتي دينار، وكتب له إلى والي قوص بمائة إردبّ قمحا وأن يحملها إلى مكّة من مال الديوان. وكتب له كتابا إلى محمد بن عمران [174 - أ] الداعي باليمن، فلمّا وصل إليه أسقط عن عمارة ثلاثة آلاف دينار كانت عليه.

وسار عمارة من القاهرة في شوال سنة خمسين وخمسمائة. فلمّا وصل إلى عدن كتب إلى الصالح قصيدة، منها [الطويل]:

لياليّ بالفسطاط في شاطئي مصر ... سقى عهدك الماضي عهاد من القطر

لقد غمرتني من نداه مواهب ... أضافت إلى عزّ الغنى شرف القدر

قصدت الجناب الصالحيّ تفاؤلا ... وقد فسدت حالي فأصلح لي دهري

ولم يرض لي معروفه دون جاهه ... فسيّر كتبا كالكتائب في أمري

كأنّ يدي في جانبيّ غدت بها ... تهزّ على الأيّام ألوية النصر

وما فارقتني نعمة صالحيّة ... كأنّي من مصر رحلت إلى مصر

فلمّا قرأها الصالح قال: لقد فرّطنا فيه حين تركناه يخرج من عندنا ولقد كان إمساكه للخدمة والصحبة أولى.

ثم إن عمارة قفل من عدن إلى مكّة سنة إحدى وخمسين، فبعثه قاسم بن هاشم أمير الحرمين إلى القاهرة بسبب جناية بعض خدمه على حاجّ مصر والشام. فسار إلى قوص في البحر، وبعث متولّي قوص يخبر بقدومه. فكتب الصالح بتعويقه في قوص حتّى يردّ أمير الحرمين ما أخذ من مال التجّار، فأقام بها. ووشى به الأمير سيف الدين حسين ابن أبي الهيجاء إلى الصالح أنّه يطعن في مذهب الإماميّة، فتنكّر له. وخرج عمارة من قوص إلى مصر، فلمّا ورد ساحل مدينة مصر كتب إلى الصالح، وقد أرسى تحت دار الملك [الطويل]:

ولي تحت دار الملك يومان لم تلح ... لعيني علامات الكرامة والبشر

وقد أخذت أيّام قوص نصيبها ... فهل نقلت تلك السجايا إلى مصر؟

فخرج الأمر بإنزاله وإكرامه فأنزل. ووصل للسلام فأنشد أبياتا يصف فيها وقعة العريش مع الفرنج، وأشار فيها إلى البراءة ممّا نقل عنه من الطعن في مذهب الإماميّة، منها [الكامل]:

فاعلم، وأنت بما أريد مقاله ... منّي ومن كلّ البريّة أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015