فلأنهما جميعا مشترطان في صحة الرشد وكماله؛ إذ لا يصح رشد من صبي لضعف ميزه بوجوه منافعه، ولا من مجنون لسقوط ميزه وذهاب رأيه؛ فوجب الاحتياط للأموال وقطع مادة الضرر عنها بأن يمنع من التصرف فيها من ليس بأهل التصرف فيها، ويحجر عليه فيها ويحال بينه وبينها- خشية الإضاعة لها امتثالا لأمر الله فيها.
فأما البلوغ فحده الاحتلام في الرجل، والحيض في النساء أو أن يبلغ أحدهما من السن أقصى سن من لا يحتلم، واختلف فيه من خمسة عشر عاما إلى ثمانية عشر عاما، واختلف قول مالك فيمن وجب عليه حد وقد أنبت ولم يبلغ أقصى سن من لا يحتلم، فادعى أنه لم يحتلم، هل يصدق فيما ادعاه أو يقام عليه الحد بما ظهر من إنباته على قولين، الأصح منهما تصديقه وألا يقام عليه الحد بشك في احتلامه؛ ولا اختلاف- عندي أنه لا يعتبر بالإنبات فيما بينه وبين الله تعالى من الأحكام؛ وأما العقل، فمحله القلب، وحده: علوم يتميز من وصف بها من البهيمة والمجنون، وهي كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الضدين لا يجتمعان، وأن الجزءين لا بد أن يكونا مجتمعين أو مفترقين، وأن السماء فوقنا والأرض تحتنا، وما أشبه ذلك.
فصل
فحد البلوغ وكمال العقل بينان تدرك معرفتهما بأدنى حظ من النظر والاستدلال، وأما الرشد فحده حسن النظر في المال ووضع الأمور في مواضعها، واختلف هل من شرط كماله الصلاح في الدين أم لا؟ - على قولين، وهو مما يخفى ولا يدرك معرفته إلا بطول الاختبار في المال والتجربة له فيه، ولهذا المعنى وقع