مفرق، بحرمة العتق- وهو بعيد، فإن رد السيد ذلك وبقي المال بيده لم يفوته إلى أن أعتق، لم يلزمه شيء قاله في المدونة في الهبة والصدقة، والعتق مقيس على ذلك لا يدخل فيه من الاختلاف ما يدخل في الزوجة- والله أعلم؛ وأما السفيه فلا يلزمه بعد أن ولي نفسه إنفاذ ذلك، كان الولي قد رده أو لم يرده، واختلف إن كان ذلك بيمين فحنث فيها بعد ولاية نفسه، واختلف أيضا إن لم يعلم بذلك حتى مات هل للورثة رد ذلك على قولين- حكاهما ابن حبيب في الواضحة.
فلا يصح للإنسان التصرف في ماله إلا بأربعة أوصاف، وهي: البلوغ، والحرية، وكمال العقل، وبلوغ الرشد؛ فأما اشتراط الحرية في ذلك، فإن العبد لا يملك ماله ملكا مستقرا، إذ لسيده انتزاعه منه، فهو محجور عليه فيه بحق الملك- وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى.
وأما الرشد فلأن الله تبارك وتعالى جعل الأموال قوام العيش وسببا للحياة وصلاحا للدين والدنيا، ونهى عن إضاعتها وتبذيرها في غير وجوهها، نظرا منه لعباده ورأفة بهم، فقال: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27]- وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وأمرنا ألا نمكن منها السفهاء حراسة لها من أن تبذر وتنفق في غير وجوهها- فقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 5]، وقال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. وأما اشتراط البلوغ وكمال العقل في ذلك،