تفسد نيات الناس في الجهاد، لا أنه عنده حرام؛ ومن الحجة في ذلك أيضا ما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أنه قال: «انطلق نفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذي نزلوا عندنا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم، فقالوا لهم: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وقد سعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحدكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا به، فقدموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا ذلك له، فقال: " وما يدريك أنها رقية "؟ ثم قال: " قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم بسهم "، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وأيضا فإن الجعل مما كان موجودا في معاملات الناس جاهلية وإسلاما، فأقر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله - ولم يتعرض لإبطاله مع علمه بذلك، ولا فرق بين ما يبتدئ إجازته شرعا وبين ما يقر على إجازته؛ وأيضا فإن الضرورة تدعو إلى ذلك أشد مما تدعو إلى القراض والمساقاة، والضرورة مستثناة من الأصول وقد مضى عمل المسلمين على ذلك في سائر الأمصار على قديم الأوقات والأعصار.

فصل

والجعل أصل في نفسه كالقراض والمساقاة، لا يقاس على الإجارة، ولا تقاس الإجارة عليه وإن أخذ شبها منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015