أن يشترطا الخيار، وما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية ابن عمر وغيره أنه قال: «المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار» لم يأخذ به مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا رأى العمل عليه لوجهين، (حدهما) استمرار العمل بالمدينة على خلافه، وما استمر عليه العمل بالمدينة واتصل، فهو عنده مقدم على أخبار الآحاد العدول، لأن المدينة دار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبها توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه متوافرون، فيستحيل أن يتصل العمل منهم في شيء على خلاف ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلا وقد علموا النسخ فيه. (والثاني) احتماله للتأويل، لأن الافتراق في اللغة يكون بالكلام والإنجاز إلى المعاني والتباين فيها؛ قال الله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] وقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] وقال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تفترق أمتي على اثنتين وسبعين فرقة» فيكون معنى الحديث أن المتساومين كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يكملا البيع بالقول ويستبد كل واحد منهما بما صار إليه عوضا عما صار لصاحبه؛ لأن المتساومين يقع عليهما اسم متبايعين، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» فسمى التساوم بيعا لأن المتبايعين لا يوصفان حقيقة بأنهما متبايعان، إلا في حين مباشرة البيع والتلبس به. وأما بعد كماله وانفصال كل واحد منهما عن صاحبه واستبداده بما صار إليه، فلا يوصفان بأنهما متبايعان إلا مجازا لا حقيقة.