فقال رأيتها تزني لاعن، قاله عبد الملك، وهو عندي تفسير لقول من لم ير في التعريض اللعان.
وأصل اللعان إنما جعل لنفي الولد، فيلاعن الرجل بمجرد نفي الحمل دون قذف في مذهبنا. والمخالف في هذا بعض أصحاب الشافعي، وهو بعيد؛ إذ قد تكون مغلوبة على نفسها. وله أن يلاعنها وهي حامل، وقد قيل: ليس له أن يلاعنها حتى تضع، روي ذلك عن مالك، وهو قول ابن الماجشون ومذهب أبي حنيفة. ويرده الأثر فإن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاعن بين العجلاني وزوجته وقال: إن جاءت به على نعت كذا فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به على نعت كذا فلا أراه إلا قد كذب عليها». ويلاعن من ادعى رؤية لما يخاف أن يلحق به من الولد بإجماع إذا لم تك ظاهرة الحمل. وأما من قذف زوجته ولم يدع رؤية ولا نفى حملا فالأصح من الأقاويل أنه يحد ولا يلاعن. ومن أوجب اللعان فيه جعل العلة في ذلك دفع الحد عن نفسه مع أنه ظاهر القرآن قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] لم يذكر نفي حمل ولا رؤية زنا، وهذا ليس ببين؛ لأن الحكم إنما هو لمعاني الألفاظ لا لظواهرها.
فصل
فإذا لاعن على الرؤية وادعى الاستبراء انتفى الولد بإجماع. وأما إن لم يدع الاستبراء فاختلف هل ينتفي الولد بذلك اللعان أم لا؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الولد ينفيه اللعان على كل حال وإن ولد لأقل من ستة أشهر وهو أحد قولي مالك في المدونة. والثاني: أنه لا ينفيه بحال وإن ولد لأكثر من ستة أشهر ويلحق به وهو قول عبد الملك وأشهب. والثالث التفرقة بين أن يولد لأقل من خمسة أشهر أو لأكثر منها، وهو القول الثاني لمالك في المدونة. فيأتي على هذا في جملة المسألة ثلاثة أقوال، وفي كل طرف منها قولان، إذا ولدته لأقل من ستة أشهر قولان وإذا ولدته لأكثر من ستة أشهر قولان. وهذا على مذهب من يتأول أن قوله في المدونة ألزمه