من وجه آخر؛ لأنه إنما أوجب عليه الكفارة بترك الطلاق، فيكون معنى قَوْله تَعَالَى على مذهبه: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3]، بمعنى ثم لم يطلقوا، وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] إيجاب، ولم يطلقوا نفي. ولو صح ذلك لكان الإيجاب نفيا والنفي إيجابا وهذا محال. وقوله خطأ أيضا من وجه ثالث، وهو أن قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] يوجب أن يحدث منهم شيء لم يكن قبل، والمظاهر لم يطلق في حال الظهار ولا قبله، فإذا ظاهر ثم لم يطلق بعد الظهار فهو كما كان قبل لم يحدث منه شيء بعد لا فعل ولا قول، فيستحيل معنى قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] لأن العائد إنما يعود لشيء كان فارقه، والمظاهر لم يفارق زوجته بالظهار، وإنما فارق به المسيس، فهو المعنى المقصود بالعودة إليه والله أعلم.

وقد احتج بعض أصحاب الشافعي له في أن العودة تركها زوجة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: 37]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22]، فسمى تعالى بقاءهم في النار وإقرارهم فيها إعادة. وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكونوا تحاملوا للخروج كاضطراب المجلود فتأخذه المقامع فترده إلى حالته الأولى. ولو صح بما احتج به أن يكون البقاء إعادة لما كان في ذلك حجة؛ لأن الله تبارك وتعالى إنما أوجب الكفارة بالعودة لما كان ممنوعا منه بالظهار وهو الوطء. وأما العصمة فلم يكن ممنوعا منها بالظهار ولا منفصلا عنها. وروي عن ابن نافع أن الكفارة تصح مع استدامة العصمة وإن لم ينو المصاب ولا أراده، وهو شاذ خارج عن أقاويل العلماء لا وجه له إلا مراعاة قول من أوجب عليه الكفارة بمجرد استدامة العصمة، وهو وجه ضعيف. كيف تصح له الكفارة وينحل بها الظهار وهو لم يرد بها التحلل؛ إذ قد فعلها وهو لا يريد المصاب.

والخامس: أن العودة أن يعود فيتكلم بالظهار مرة أخرى، وهو مذهب داود وأهل الظاهر، وروي مثله عن بكير بن الأشج، وهو قول فاسد بين الفساد لبعده من النظر وخلافه للآثار. وحديث المظاهر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رواه بكير بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015