والثاني: أنه إرادة الوطء والإجماع عليه مع استدامة العصمة، فمتى انفرد أحدهما دون الآخر لم تجب الكفارة. فإن أجمع على الوطء ثم قطع العصمة بطلاق فلم يستدمها أو انقطعت بموت سقطت الكفارة، وإن كان قد عمل بعضها سقط عنه سائرها. وكذلك إن استدام العصمة ولم يرد الوطء ولا أجمع عليه لم تجب عليه الكفارة، بل لا تجزئه إن فعلها وهو غير عازم على الوطء ولا مجمع عليه. هذا قول مالك في المدونة، وعليه جماعة أصحابه، وهو أصح الأقاويل وأجراها على القياس وأتبعها لظاهر القرآن؛ لأنه إذا أراد الوطء وجب عليه تقديم الكفارة قبله؛ لقول الله عز وجل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، ما لم تنقطع العصمة أو ترجع نيته عن إرادة الوطء إلا أن يطأها، فإن وطئ لزمته الكفارة وترتبت في ذمته ككفارة اليمين بالله تعالى إذا حنث فيها، إلا أن الحالف بالله مخير بين أن يقدم الكفارة قبل الحنث أو يحنث قبل الكفارة، والظهار لا يجوز أن يطأها قبل الكفارة لقول الله عز وجل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3].
والثالث: أن العودة الوطء نفسه. وقد روي هذا القول عن مالك، حكى الثلاثة الأقوال عنه عبد الوهاب. فعلى هذا القول: لا تجزئه الكفارة قبل الوطء، وإن أراد الوطء وأجمع عليه واستدام العصمة، وله أن يطأ قبل الكفارة مرة، فإذا وطئ وجبت عليه الكفارة إن أراد الوطء ثانية واستدام العصمة، فإن رجعت نيته عن الوطء وانقطعت العصمة بموت أو فراق سقطت عنه الكفارة ما لم يطأها ثانية. وقد حكى هذا القول أصبغ في العتبية عن أهل المشرق ومن يرتضى من أهل المدينة.
والرابع: قول الشافعي ومن قال بقوله إن العودة استدامة العصمة وترك الفراق، وأنه متى ظاهر من زوجته ولم يطلقها طلاقا متصلا بالظهار فقد وجبت عليه الكفارة، وهو قول فاسد، يدل على فساده القرآن واللغة، على أن أصحابه يدعون له علم اللغة. لأن الله تبارك وتعالى قال: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3]، وثم توجب التراخي عند جميع أهل اللغة، لا اختلاف بينهم أن الرجل إذا قال: لقيت زيدا ثم عمرا، أن المفهوم من قوله لقي عمرا بعد زيد بزمان. والعصمة لم تنفصل بالظهار، فكيف يصح أن يقال ثم يكون كذا لما لم يزل كائنا، هذا محال. وقوله: هذا خطأ أيضا