ظاهر لفظ الإعطاء قبض بعض المعطى وإيجاب بعضه. وإذا لم يصح ذلك فقول الله عز وجل لا دليل فيه على أن مراده بيعطوا الجزية تنجز القبض وإنما معناه على ما قيل عن غلبة وقهر، لأن الأيد القوة. قال الله عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] أي بقوة وقدرة. وليل يعطونها بإنعام عليهم لأن [قبولها منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم إذ]، اليد تكون عند العرب بمعنى النعمة. وقيل معناه أن يدفعوها عند وجوبها عليهم بأيديهم لا يرسلوا بها كما يفعل الجبارون المتكبرون. ويؤيد هذا التأويل قَوْله تَعَالَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].

فصل

وأما استدلاله على أن مذهب مالك تنجز قبض الجزية عنا أول العام من قوله في تجار الحربيين إنه يؤخذ منهم ما صالحوا عليه باعوا أو لم يبيعوا فلا دليل له في ذلك على ما ذهب إليه، بل يدل ذلك من قوله - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - على أن الجزية لا تؤخذ إلا في آخر الحول على ما عزينا إليه وتأولناه عليه، لأنه لم يقل أن يؤخذ منهم ما صولحوا عليه عند عقد الصلح معهم قبل أن يدخلوا للتجارة، وإنما قال إنه يؤخذ ذلك منهم إذا دخلوا وأقاموا للتجارة القدر الذي صولحوا على إقامته، فهم لو شاءوا أن يبيعوا باعوا، فليس تركهم لبيع سلعهم باختيارهم بالذي يسقط الحق الواجب عليهم في دخولهم بلاد المسلمين ومقامهم فيها في جوارهم وتحت ذمتهم.

فصل

وكذلك قوله إن الخلاف غير داخل في الجزية العنوية لا يصح، لأن العلة التي اعتل بها من أن أخذ الجزية في أول الحول وهي الانتفاع بالعقد لإيجابه لهم الذمة والأمان موجودة في هؤلاء لإيجابها لهم البقاء في بلاد المسلمين أحرارا أو بمنزلة الأحرار وهم على كفرهم آمنون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015