العنوية تؤخذ في آخر الحول بلا خلاف لأنهم عبيد للمسلمين، وما يؤخذ منهم في الجزية كالخراج، فوجب أن يؤخذ منهم بعد استيفاء المنفعة وانقضاء المدة. وفي هذا كله نظر.
أما قوله في الجزية الصلحية إنها عوض عن تأمينهم وترك قتالهم وحقن دمائهم وقد وجب لهم ذلك وتقرر بعقد الصلح فوجب أن يتنجز منهم العوض قياسا على سائر عقود المعاوضات فليس ذلك بصحيح، لأنها إنما هي عوض عن تأمينهم وحقن دمائهم على التأبيد، فإن كان قد وجب لهم الأمان وتقرر بعقد الصلح فلم يحصل لهم بعد ولا استوفوه، وإنما يحصل الاستيفاء بمرور المدة عاما بعد عام لجواز الخفر بهم فيما يأتي من المدة. وإنما ذلك في القياس بمنزلة من أسكن رجلا داره أعواما على أن يؤدي إليه في كل عام كذا وكذا فلا يجب على المسكن أن يؤدي واجب كل عام إلا في آخره، [لأن السكن إن كان قد وجب له وتقرر بالعقد فلم يقبضه بعد ولا استوفاه].
وأما استدلاله على ذلك بظاهر قول الله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] وقوله إن لفظ الإعطاء عن يد إذا أطلق الأظهر منه التعجيل وإن كان يحتمل أن يراد به التأخير فلا يصح، بل الآية حجة لنا ودلالة على صحة قولنا، لأنه قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] فعم بالجزية ولم يخص منها شيئا دون شيء، فوجب بحق الظاهر أن تكون كلها معجلة، فيكون معنى الإعطاء القبض والدفع، أو تكون كلها مؤجلة فيكون الإعطاء بمعنى الإيجاب دون الدفع والقبض، من قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] فلما بطل أن تكون كلها معجلة للإجماع على أن جزية العام الثاني وما بعده من الأعوام لا تقبض في أول العام الأول صح أنها كلها مؤجلة لا يتنجز قبض شيء منها ولا يصح في عقل عاقل أن يقول إن