الإبل تضرب إليه في طلب العلم إنما هي موجودة في مالك لا في العمري؛ لأن أكباد الإبل لم تضرب إليه في طلب العلم؛ لأنه إنما كان من شأنه أن يخرج إلى البادية التي لا يحضر أهلها الأمصار لطلب العلم ولا يخرج أهل العلم إليهم، فيعلمهم أمر دينهم ويفقههم فيه ويرغبهم فيما يقربهم من ربهم ويحذرهم مما يبعدهم عنه.
وهذا وإن كان فيه من الفضل ما فيه فقد أربى ما وهب الله مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الفضل فيما انتشر عنه من العلم وإحيائه من الدين بما لا يعلمه إلا الله الذي يؤتي فضله من يشاء وهو ذو الفضل العظيم.
لأن علمه لم ينقطع بموته؛ لأن العلم أخذه عنه من ضرب آباط الإبل إليه فيه كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وأخذ عمن أخذه عنه خلف عن سلف، فأجره جار عليه إلى يوم القيامة» كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن عمل ابن آدم ينقطع إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وصدقة تجري عليه، وولد صالح يدعو له». ولولا مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومثله من العلماء؛ لدرس العلم وذهب الدين.
وعمل العمري العابد انقطع بموته إذ كان من يعلمهم العلم بالبوادي لا تتعداهم منفعته، فلا يلحق فضل العبادة بفضل العلم بإجماع من العلماء. فقد قالوا جميعا: إن الرجلين إذا كان أحدهما أعلم والثاني أفضل إن الأعلم أولى بالإمامة ولم يكن ذلك كذلك إلا بزيادة فضل العلم على فضل العمل.
وقد روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». وقد روي أن العمري العابد المذكور كتب إلى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحضه على الانفراد للعبادة وترك مجالسة الناس، فكتب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن الله قسم بين عباده الأعمال كما قسم بينهم الأرزاق، فرب رجل فتح له في كذا، ولم يفتح له في كذا، ورب رجل فتح له في كذا، ولم يفتح له في كذا، فعدد أنواع أعمال البر ثم قال: وما أظن ما أنت فيه بأفضل مما أنا فيه، وكلانا على خير إن شاء الله.
فصل في
[فضائل مالك]
وفضائله أكثر من أن تحصى. منها ما روي أن عبد الرحمن بن القاسم قال: