الآية وقال: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217] وقد جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكة مزية على المدينة بتحريم الله إياها فقال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس»، وأوجب بذلك أهل العلم كلهم الجزاء على من صاد في حرم مكة، ولم يوجبه على من صاد في حرم المدينة إلا الشاذ منهم. فيستفاد من هذا الإجماع على أن الذنب في الصيد في حرم مكة أغلظ منه في حرم المدينة.
وقد رأى جماعة من أهل العلم أن تغليط الحدود في حرم مكة لحرمته، ولا تقام فيه؛ لقول الله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] ولم يقل ذلك أحد من أهل العلم في حرم المدينة.
فإذا كان الذنب في مكة أغلظ منه في المدينة، والصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة على ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نصا من رواية عطاء ابن أبي رباح عن الزبير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في هذا». وإذا كان الذنب في حرم مكة أغلظ منه في حرم المدينة، والصلاة في مسجد مكة الذي أوجب الله الحج إليه لفضله بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] أفضل من الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صح أن مكة أفضل من المدينة، إذ ليس تفضيل بعض البقاع على بعض بمعنى موجود في ذواتها، وإنما هو لتضعيف الحسنات والسيئات فيها. وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأن أعمل عشر خطايا بالمدينة أحب إلي أن أعمل واحدة بمكة. والمعنى في هذا أن السيئات تضاعف في مكة كما تضاعف فيها الحسنات.
وقد استدل القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي على ما ذهب إليه من تفضيل المدينة على مكة بظواهر آثار كثيرة لا حجة في شيء منها.